الكاتبة المصرية المشاكسة أطلقت «زينة: الرواية المسروقة» من بروكسل، عن مأساة الأطفال اللقطاء في مجتمع شرقي
بروكسل ــ طه عدنان
تحت اسم نوال زينب السيد، قدّمت الكاتبة المصرية نوال السعداوي روايتها الجديدة «زينة: الرواية المسروقة» في المركز الثقافي العربي في بروكسل، بحضور وزيرة الاندماج الاجتماعي البلجيكية ماري أرينا، وناشرها البلجيكي لوك بير. وقد رأت الكاتبة المصرية التي تقيم في أوروبا هرباً من مختلف الضغوط والتهديدات، أنّ لقب السعداوي (الذي وضعته بين قوسين على الغلاف) هو اسم جدها الذي توفي قبل ولادتها بسنوات، ليجد اسمه يحتلّ أغلفة مؤلفاتها، مؤكدة أنّها لو وقّعت كتبها باسم والدتها لما كان لهذه المؤلّفات أن تعرف طريقها إلى النور. إذ عندما كانت توقّع باسم والدتها وهي تلميذة، كانت المدرّسة تشطبه بسرعة. واستشهدت الكاتبة بالمشاكل التي تعرّضت لها ابنتها الصحافية منى حلمي العام الماضي، عندما قرّرت توقيع مقالاتها في مجلة «روز اليوسف» باسم والدتها نوال، معرضةً بالأنانية الذكورية التي تفرض على الأبناء حمل أسماء آبائهم في مجتمع يتشدّق دوماً بمكانة الأم. كما طالبت السعداوي بأن يُسمح للأطفال بالانتساب إلى أمهاتهم من دون أن يجري الحطّ من شأنهم، واعتبارهم أطفالاً شرعيين بصرف النظر عن شكل العلاقة التي أنجبتهم.
زينة بطلة الرواية كابدت المشكلة عينها. هذه الطفلة المصرية الجميلة التي تخلت عنها والدتها بدور الناقدة اللامعة لتتركها في الشارع، ستعيش لقيطةً تواجه قدرها بمفردها وتشق طريقها الوعر بعزم قبل أن تصير فنانة موسيقية. زينة حملت معها دوماً جرح اسمها الأنثوي الذي ينكؤه إحساس دائم بالعار. فعندما يطلب منها المعلم أن تكتب اسمها الكامل وهي صغيرة ستخطّ بالطباشير على اللوح: «زينة بنت زينات». هنا يخرج الأستاذ عن طوره ليضرب الصغيرة آمراً إياها بأن تكتب اسم والدها واسم جدها. وحدها «الأبلة» مريم كانت تتوسّم في زينة خيراً. كانت تمسك أصابعها بيدها، ترفعها عالياً لتراها كل البنات وتقول: «أصابع زينة بنت زينات خلقت للموسيقى، بنت موهوبة، ليس لها مثيل بين البنات».
طبعاً، لم يكن لزينة مثيل بين البنات، حتى صديقتها مجيدة كانت تعرف ذلك. فهي عندما تدفن وجهها الصغير في صدر «دادا» الأمومي، تربت «الدادا» رأسها وتهمس في أذنها: «نامي يا مجيدة، ربنا أعطاك خير كثير، أبوكي ما شاء الله اسمه علي كل لسان، وأمك ربنا يحميها أستاذة كبيرة في الجامعة، لكن زينة بنت زينات يا عيني عليها، من غير أب ولا أم».
زينة التي بلا أم ولا أب ستصبح فنانة مرموقة يطلب الكل رضاها، قبل أن يغرم بها أحمد زعيم جماعة متطرفة لتخرج الحكاية من إبحارها الهادئ، والجةً بذلك مهبّات أكثر تلاطماً.
هذا عن زينة، فماذا عن «الرواية المسروقة»؟ كانت نوال السعداوي برفقة وكيلة أعمالها الأدبية البلجيكية من أصل ألباني بلجي أحمتاج على متن قطار يقلّهما من روتردام إلى بروكسل، عندما سُرقت حقيبة الكاتبة وداخلها مخطوط روايتها الأخيرة. لقد كان المخطوط الوحيد المتوافر لديها. وبعد نداءات عديدة في الإذاعة والصحف، لم يظهر للمخطوط أي أثر، ليجري الاتفاق مع الناشر لوك بير على نشر «الرواية المسروقة». روايةٌ اعتمدت في كتابتها على ما علق في ذهنها وإحساسها من أحداث وحكايات المخطوط المسروق. لكن لماذا النشر باللغة الفرنسية؟ هنا وكمن يدفع عن نفسه تهمة، تحدثت نوال السعداوي عن إعدام ناشرها المصري المعروف الحاج مدبولي لكتابيها «سقوط الإمام» و«استقالة الإله في اجتماع القمة». لذا فمن حقها الآن أن تنشر كتبها باللغة التي تريد، وفي أي مكان تريد، وخاصة أنّ كتاباتها «ليست مصرية بل إنسانيّة ذات بعد كوني». ولهذا فهي مترجمة إلى عشرين لغة.
وعن التخوّف من تحوّلها إلى كاتبة تكتب للغرب أكثر منها لأبناء جلدتها، أجابت نوال السعداوي أنّها بدأت الكتابة في الستينيات والسبعينيات، وأعمالها لم تكن مترجمة. ولم تعرف كتاباتها الطريق إلى الترجمة إلا بدءاً من عام 1980. لذا فهي كانت تكتب طوال عشرين عاماً بالعربية لقارئ عربي ولم تكن تهتمّ بغيره. ولو كانت تكتب للغرب لنُشرت أعمالها منذ زمن طويل بالفرنسية أو الإنكليزية.