نجوان درويشكيف يفسّر المرء مبالغة بعض الفضائيات العربية في تغطية «الانتخابات الإسرائيلية»، بل في تغطية الشأن الإسرائيلي الداخلي كأنّ الإنسان العربي من رعايا الدولة العبرية؟ أوّل من أمس، صُدمنا بتغطية «الجزيرة» و«العربية» للانتخابات وهو استمرار لنهج أصيل في «الانفتاح» على إسرائيل وإدخال مسؤوليها إلى البيوت العربية كان لـ«الجزيرة» دائماً قصب السبق فيه. رأينا وليد العمري «كبير مراسلي» «الجزيرة» يرتدي بدلة و«كرفتّة» حمراء ربما لأوّل مرة. هو يرتدي دائماً ملابس يوميّة، وعليه، بدا تأنّقه بمناسبة الانتخابات الإسرائيلية لافتاً، ومنافساً لنتنياهو! هكذا، بدت «الكرفتّة» الحمراء تلخيصاً رمزياً لاحتفاء بعض الإعلام العربي بـ«الديموقراطية الإسرائيلية» بوصفها حدثاً إمبراطورياً على شعوب المستعمرات العربية متابعته.
إنّ المعرفة التي يقدّمها بعض الإعلام العربي تتجاوز حاجة المواطن العربي إلى المعرفة نحو تبعيّة ذيليّة للحدث الإسرائيلي الداخلي. فما معنى أن تُجبر «الجزيرة» المواطن العربي على سماع خطابات نتنياهو وليفني والمظاهر الاحتفالية للانتخابات الإسرائيلية، الغناء والتصفيق وكرنفال البث المباشر؟
الأخطر هو تلهية الوعي الشعبي بتقديم إسرائيل باعتبارها تيارات مختلفة، وهي كذلك إلا في ما يخص صهيونيتها. غياب الفوارق الكبيرة في السياسة الإسرائيلية والتلهي بالتغطية، أشار إليها بلباقة عزمي بشارة حين ظهر من استوديوهات «الجزيرة» في الدوحة، ليقدّم رأياً في الانتخابات، مشيراً إلى أنّه لا يجوز التلهّي بقصص إسرائيل الداخلية، وخصوصاً أنّه لا فروق كبيرة بين المتنافسين على الحكم في الفاشية الإسرائيلية. بشارة لم يكن بإمكانه مجاراة حماسة «الجزيرة» بل كان المفكر المرموق يرتدي «تي شيرت» أزرق وفوقه قميص أزرق مفتوح الأزرار كالذي يلبسه سائقو الباصات وعمال محطات الوقود في الصيف. ولو كان أقل وعياً لمعنى الانتخابات الإسرائيلية، لخَرج علينا بربطة عنق حمراء أو صفراء فاقعة! (وفقاً لجدلية الشكل والمضمون)... وإن كان بشارة دعا عبر «الجزيرة» فلسطينيي الداخل للتصويت في الانتخابات وفق وصفته القومية التي ترسم حدوداً بين القومية العربية الفلسطينية والمواطنة الإسرائيلية. الطريف أنّ فضائيات عربيّة ـــــ بينها محطات مُمانِعة ـــــ تحوّلت منبراً لتشجيع التصويت الفلسطيني في انتخابات «الكنيست»! إنه زمن أسود يعيشه «إعلام عربي» فجّ... يضع ربطة عنق حمراء!