منذ الثلاثينيات، سعت هوليوود لتصوير نزيل البيت الأبيض في صورة البطل الذي يحمي الإنسانيّة من الأشرار، بشراً كانوا أو مخلوقات فضائية
عثمان تزغارت
نشأت صورة «البطل الرئاسي» في السينما الأميركية في خضم الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد العالمي مطلع الثلاثينيات وأفرزت تطلّعاً شعبياً نحو ظهور منقذ يخرج أميركا من براثن الإفلاس. ولم يلبث ذلك البطل أن تجسّد في شخصية الرئيس فرانكلين روزفلت الذي شحذ هِمم الأميركيين بسياسة الـ New deal. ما دفع هوليوود إلى أن تستوحي منه بطلاً سينمائياً تسدّد خطاه الإرادة الإلهية. هكذا، قدّم غريغوري لاكافا في 1933 فيلم Gabriel Over The White House الذي أظهر روزفلت في صورة رئيس عاجز عن مواجهة الأزمة. لكن الأقدار تشاء أن يتعرض لحادث سير يتقمّصه خلاله الملاك جبريل، فينقذ البلاد من الإفلاس والمجاعة. وفي 1939، قدّم فرانك كابرا فيلماً آخر هو Mr Smith Goes To Washington الذي صوّر الرئيس روزفلت كبطل تقمّصته روح الأب المؤسس أبراهام لنكولن. فيما قدّم جون فورد ـــ خلال السنة ذاتها ـــ فيلمه The Young Lincoln الذي فسّر استقامة لنكولن وسموّ أخلاقه بأنّ روح المسيح تقمّصته في صغره! لكن صدمة الستينيات التي أفرزتها واقعة اغتيال الرئيس كيندي ثم فضيحة «ووتر غيت» التي أطاحت الرئيس نيكسون، أحدثت شرخاً في التمثال النمطي للبطل الرئاسي، وأفسحت المجال أمام أفلام مشاكسة جعلت من الرئيس الأميركي شخصية إشكالية.
هكذا، تراجعت الصورة التمجيدية لحساب نظرة أكثر واقعية. وتجسد ذلك بفيلمين هما «مؤامرة في دالاس» (إخراج ديفيد ميلر ــ 1973) الذي حاول إزاحة الستارة لأول مرة عن مناطق الظل المريبة في حادثة مقتل الرئيس كينيدي، و«رجال الرئيس» (إخراج ألن ج. باكولا ـــ 1976) الذي تناول فضيحة «ووتر غيت» وصوّر نيكسون رجلاً كاذباً ومتآمراً وضعيفاً.
خلال الثمانينيات التي شهدت وصول الممثل السابق رونالد ريغن إلى الحكم، لم تكتف هوليوود بحظر عرض أي من أفلام الرئيس/ الممثل، بل أحجمت عن تصوير أي فيلم يتضمن «بطلاً رئاسياً» حتى عاد المخرج المشاكس أوليفر ستون، خلال التسعينيات، ليعرّض الصورة النمطية للبطل الرئاسي لقدر غير مسبوق من النقد والمساءلة، من خلال فيلميه JFK (1991) و«نيكسون» (1995).
وبلغت الهزة التي أحدثها الفيلمان أنّ صورة الرئيس ابتُذلت لتستعمل كشخصية عادية في أفلام الحركة التجارية من «يوم الاستقلال» لرونالد إيمريش إلى Absolute Power الذي صوّر فيه كلينت إيستوود رئيساً أميركياً يغتال عشيقته، فتتستّر الأجهزة الأمنية على الجريمة!
وفي أعقاب فضيحة لوينسكي التي ألقت بظلالها على الولاية الثانية للرئيس كلينتون، عادت الأفلام السياسية لتناول شخصية الرئيس في صورة نقدية، فقدّم باري ليفنستون Wag The Dog الذي أدى فيه داستن هوفمان وروبرت دي نيرو دور مستشارين يدفعان الرئيس إلى افتعال حرب للتستر على تورطه في فضيحة أخلاقية! وفي 2001، قدّم روجر دونالدسن فيلمه «13 يوماً» محاولاً كسر الصورة البطولية النمطية المتداولة عن الرئيس كيندي، عبر رصد ما دار في كواليس البيت الأبيض خلال أزمة الصواريخ الكوبية في ت1 (أكتوبر) 1962. ويبدو أنّ السينما الأميركية لم تنته من مساءلة شخصيتي الرئيسين كيندي ونيكسون. إذ انتهى رون هووارد أخيراً من تصوير فيلم «فروست/نيكسون: ساعة الحقيقة» الذي يستعيد تفاصيل المقابلة التلفزيونية الشهيرة التي أجراها ديفيد فروست مع الرئيس نيكسون واستدرجه للاعتراف بتورّطه في فضيحة «ووتر غيت».
وبين كل الرؤساء الأميركيين، كان جورج بوش الوحيد الذي تحوّل إلى «بطل» سينمائي قبل مغادرته الحكم، إذ اقتُبست من سيرته ثلاثة أفلام، أبرزها W لأوليفر ستون. وما من شك في أن خلفه باراك أوباما يتجه في الطريق ذاته، إذ استكملت المخرجة روكسان فرياس مونتاج شريط وثائقي بعنوان «الرجل الذي لم يكن أحد ينتظره»، الذي يروي سيرة أوباما مذ كان طفلاً شقياً في شوارع شيكاغو، حتى فوزه بالرئاسة.