strong>ردود الفعل مستمرّة على مقالة بيار أبي صعب عن حملة «بإيدك الحريّة... بصوتك الاستقلال». هنا رسالة من شركة Quantum «تتبنّى» حملات ١٤ آذار، وردّ التحرير
ورد خطأ في العدد 778 من صحيفتكم الغراء بتاريخ 24/3/2009 تحت عنوان «الديموقراطية اللبنانية حسب Saatchi & Saatchi» أن شركة «ساتشي أند ساتشي» هي التي ابتكرت حملة «بإيدك الحرية... بصوتك الاستقلال». وفي عددكم الصادر يوم الجمعة بتاريخ 27/3/2009 تساءلتم في مقال آخر عن الشركة مصمّمة هذه الحملة. إن شركتنا «كوانتم كومونيكيشنز» ـــــ وهي شركة استشارية متخصصة في مجال التواصل السياسي والمؤسساتي يرأس مجلس إدارتها السيد إيلي خوري ـــــ هي التي ابتكرت الحملة.
نرجو أن يكون الجواب شافياً لكل مَن يريد أن يعرف مَن ابتكر هذه الحملة وغيرها من الحملات المذكورة.
إننا نعتز بأن تنسب إلينا هذه الحملة والحملات المشابهة التي وردت في المقالين، مع تحفظنا على اتهامات العنصرية والفئوية. وإنه لمَن دواعي الافتخار أن نقوم بدورنا الفاعل في خدمة الوطن واستنهاض المواطنين للقيام بواجبهم الذي يمليه عليهم الدستور للتعبير عن رأيهم في صناديق الانتخاب بأسلوب حضاري ديموقراطي، بعيداً عن التسلط والعنف، ويشرّفنا دائماً أن تكون إعلاناتنا مثار نقاش بنّاء في المجتمع.
وأما تساؤلكم عن الجهة السياسية التي تتحمل مسؤولية توجيه رسائل هذه الحملة ففيه إجحاف بحقكم كمؤسسة إخبارية مطّلعة ومتابعة لشؤون البلد. فالشعار (اليد القابضة على غصن الزيتون) كان ملازماً لنشاطات تحالف 14 آذار منذ أشهر عدة وليس بجديد على الساحة.
إيلي فواز

غياب الشفافيّة وانعدام المحاسبة (السياسيّة، الاخلاقيّة، الماليّة...)، جعل «الغموض الفنّي» أو ما يعرف بالـflou artistique حالة طبيعيّة تكتنف هذا النوع من الحملات الإعلانيّة التي تخوضها شركة اكتشفنا أخيراً أنّها «كوانتم كومينيكيشنز». لنصدّق أنّ اسمها كذلك، وأنّها مصمّمة الحملة وما سبقها. هذا ممكن قانونيّاً. ما هَمّ أن يكون صاحب القرار هو نفسه في «ساتشي» و«كوانتم» (إيلي خوري). ما همّ أن تكون الشركتان متقاطعتين إلى حدّ مدهش: العاملون والمكاتب ورقم الهاتف (حتّى يوم الجمعة الماضي). القانون ينظّم كل شيء، لكنّه ـــ وحده ـــ قد لا يفسّر كلّ شيء.
لماذا لم تكن المعلومات الواردة في ردّ إيلي فوّاز متاحة منذ البداية؟ لماذا وصلتنا تباعاً قطعاً مفروطة، كما في لعبة «بازل» تكتمل كلّ مرّة قليلاً على أساس نقدنا ومساءلاتنا؟ الآن صرنا نعرف: «كوووااااانتووووم»! هذه المعلومة الثمينة، كان لا بدّ من جهد حقيقي لانتزاعها. ألم يكن بوسع السيّد فوّاز أن يوفّر علينا وعلى نفسه هذا العناء، قبل أن نكتب المقالة الأولى (٢٤/ ٣/ ٠٩)، فيشرح لنا ذلك منذ اتصالنا الهاتفي الأوّل به. اتصلنا يومذاك على رقم «ساتشي» الذي حصلنا عليه من خدمة الاستعلامات، ثمّ قارنّاه بدليل الشركات على الإنترنت (mediame.com) حيث لا أثر لـ«كوانتم» مثلاً بين الشركات الإعلانية في لبنان. وبعدما تأكّدنا على التليفون من أننا عند «ساتشي»، طلبنا التحدث إلى المسؤول عن الحملة المذكورة. هكذا وصلنا إلى السيّد فوّاز الذي لم يأت على ذكر «كوانتم»، بل تبنّى مسؤولية «ساتشي» عن كل الحملات الإعلانيّة السياسيّة التي تناولناها بالنقد، وناقشَنا بها: «لماذا لا تحبّون ساتشي، أنتم في الأخبار؟». وها هي الصفاقة تبلغ منه مبلغاً، فيتحدّث، في ردّه المنشور أعلاه، عن «خطأ» ورد في مقالتنا! من الطبيعي أن نخطئ إذا كان المصدر المعني لم يتكرّم علينا، حين قصدناه مباشرةً، بتلك المعلومات الثمينة التي يجد نفسه مضطرّاً إلى سوقها الآن. فهل هذا هو تصوّره، وتصوّر الشركة التي يتكلّم باسمها، للديموقراطيّة والشفافيّة؟
يكتب إلينا إيلي فوّاز، بعد رسالة أولى وصلتنا من «ساتشي»، بتوقيع عادل كنعان، تنفي أي علاقة لتلك الشركة بالحملة المذكورة وما سبقها، وتفترض «وجود أشخاص في ساتشي أند ساتشي لديهم أعمال أو مصالح في شركات أو مشاريع أخرى فتحسب أعمالهم على الشركة»! نشرنا الردّ ورددنا عليه بأسئلة جديدة مطلقين حملة قوميّة واسعة، للبحث عن مصممي الحملة، وعن مموّليها). وها هو السيّد فوّاز يأتينا أخيراً بالخبر اليقين. لقد تبلورت الصورة بالتدرّج، حين صار هناك من يسأل ويحاسب. أخيراً تمّ الكشف، ليس عن التمويل كلا، بل عن الهويّة القانونيّة للشركة المفترضة. هل سنفاجأ غداً بتفاصيل أخرى غير معلنة بعد؟ تنتابنا رغبة في سؤال مستر إيلي: جواب نهائي؟
يعلن كاتب الردّ باسم الشركة: «إننا نعتزّ بأن تنسب إلينا هذه الحملة والحملات المشابهة». لمن يعود «نا» الضمير المتصل للجماعة؟ نحن «نسبنا» الحملات إلى «ساتشي»، وهو يقول إنّها شركة أخرى، ثم يعود فيعتزّ بأننا نسبنا «إليهم» الحملة. مهما كان الأمر، فصديقنا يتبنّى هنا تماماً الأفكار السياسيّة التي تروّج لها الحملة العتيدة. وهذا أكثر مما كنّا نطمح إليه، حين انتقدنا خطابها الذي يشهّر ويجرّح بنصف الشعب اللبناني في أقلّ تقدير، ويحتكر حب «لبنان» لمصلحة جماعة غامضة لا نعرف من هي تماماً. وها قد وجدنا من نحمّله المسؤوليّة الأخلاقيّة إذاً نيابة عن أصحاب الحملة! علماً بأنّه لم يخطر في بالنا أن مصمميها ليسوا شركة إعلانية عاديّة، بل الخليّة المفكرّة في ١٤ آذار لشؤون التثقيف والتوعيّة الوطنيّة والحشد الإيديولوجي. في صفحات الميديا عادةً، تُناقش مسائل تتعلّق بآليات التواصل، وفبركة الصورة وما وراءها، وأشكال صياغة خطاب معيّن. ولا يهمّنا كثيراً معرفة أفكار الإعلاني نفسه، وآفاقه «الفكريّة»، إلا حين يتبرّع طبعاً بالمجاهرة بها.
يتبنّى الرجل، دفعةً واحدة، المضمون الإيديولوجي (الشوفيني، العنصري، الفئوي، المحرّض على العنف الأهلي)، لحملة يصفها بأنها «تستنهض المواطنين للقيام بواجبهم الذي يمليه عليهم الدستور»، علماً بأن الدستور لا يفرّق بالطريقة نفسها بين «المنيح» و«العاطل»! إذاً السيد فوّاز أكثر من «إعلاني» يعمل لمصلحة زبون معيّن: إنّه مناضل يتماهى مع مصالح زبونه السياسيّة. طيب، بقي أن نعرف من هو هذا الزبون. من موّل الحملة؟ يجيبنا: «ألم تلاحظوا اليد القابضة على غصن الزيتون؟ إنّها قوى ١٤ آذار»... أولاً لم نكن نعرف أن القوى المذكورة لها لوغو محدّد هو هذا... ثم يبقى أن نفهم: كل قوى ١٤ آذار موّلت حملة «بإيدك الحريّة... بصوتك الاستقلال»؟ هل هذا جواب شركة تحترم نفسها وتحترم الرأي العام؟ نحن مقبلون على معركة انتخابيّة، ونريد أن نعرف من الذي موّل الحملة؟ أي حزب؟ أي طرف سياسي؟ أي زعيم؟ (إذا افترضنا أن المموّل «لبناني أوّلاً»). ونأمل ألا يردّ علينا محاورنا هذه المرّة بأنّ المموّل هو... لنقل... فارس سعيد مثلاً!
يبقى سؤال أخير. في هذا النوع من الرسائل التي تُوَجَّه عادة إلى الصحف مع طلب النشر على قاعدة «حقّ الردّ»، يقتضي العرف بأن يذكر موقّع الرسالة صفته أو منصبه، في حين أن السيّد إيلي فوّاز يكتب اسمه ثم اسم شركته (هل حفظتم اسمها الآن؟)... من دون أن يحدّد لنا ما هو بالضبط موقعه في «١٤ آذار»... عفواً في «ساتشي أند ساتشي»... عفواً في «كوانتم كومينيكيشنز»! ما زالت هناك أمور تهمّنا معرفتها.
(التحرير)