في معرضه الجديد المقام حالياً في «غاليري أيام» في دمشق، يدعونا فادي يازجي إلى اللعب معه في حديقة افتراضية. ذلك أنّ أعماله الجديدة تشبه قصصاً مصوّرة للأطفال: شخصيات معلّقة في الفضاء، متراصة في كتلٍ متجاورة، لكنها في المقابل تلهو على هواها، في أقصى حالات البراءة والعبث، ها هو يطيح المنظور ليرسم كائناته بوضعيات وحجوم مختلفة. وعلى السطح نفسه، تتوغّل دراجة هوائية في سفرٍ حميم إلى طفولة بعيدة. قطط وثعالب وطيور في أقفاص. مسوخ بشرية وأشكال هلامية تقتحم مساحة الفراغ لتسدّ منافذ الهواء. هذه الحشود من الوجوه المتقابلة والمتجاورة والمقلوبة رأساً على عقب، تواجه فزعها بمفردها، لا تأبه بما يحصل في الجوار. كما أنها لا تركن إلى مصير. اللعب وحده من يقود خطوط هذا النحّات والتشكيلي السوري الشاب (1966)، في كتابة يومياته البصرية وقد تخفَّف من أعباء محيطه ليستعيد طفولة عصيّة ومفقودة. لن نستغرب إذاً وجود منحوتة برونزية برأس كبير وجسم صغير، أو رجل برأس حلزون. لعلها الصورة الأخرى للعزلة، واندحار الأحلام، والاحتجاج على هباء حياة منهوبة في العلن. يستخدم فادي يازجي مواد مختلفة في بناء أعماله، فهو لا يتوانى عن استخدام الفوط النسائية مثلاً ليرسم فوقها كائناته المضطربة، أو أن يجفف أرغفة الخبز ويحوّلها إلى أختام أسطوانية في متتاليات بشرية لا تخلو من رمزية. على جدارٍ آخر، سيطالعنا لحاف برسوم ملوّنة، أو كرسي ملطّخ بأشكال ووجوه مفزوعة، كما لو أنه ذاكرة لمن استرخوا فوقه في لحظةٍ ما.هذه البراءة المستعادة قصداً، تنطوي في المقابل على اشتغالات تعبيرية حاذقة، وخصوصاً في أعماله المرسومة بالأبيض والأسود. إذ تتكثف شخوصه إلى أطياف غارقة في حلم أو متاهة، إلى أن تتوارى في جزء آخر من اللوحة. هذا الحضور والتلاشي يتناوبان على السطوح في نبرة حكائية يعززها فادي يازجي بكتابات مجاورة للوحة، أو بذكريات وتواقيع تتواشج مع تجاربه في النحت الجداري «الرولييف» وأعماله المشغولة بالطين والبرونز والزيت.
في مرسمه في «باب توما»، يعيش فادي يازجي مع شخوصه في مرح، ليكتب مذكراته اللونية بمقترحات لا نهائية. على سطحٍ واحد تتجاور عشرات الأشكال، تبعاً لارتجالات خطية وتحويرات مستمرة، تضع هذه الكائنات في مهب الحيرة والصدام، وربما العراك. لا نعلم إلى ماذا تصبو هذه الشخوص، وما منبع آلامها وسعادتها. إنها على أي حال تشدّنا إليها لنشاركها هواجسها وتخيلاتها في ملعبٍ تتأرجح فيه الألوان والخطوط بمنتهى البساطة والمهارة معاً.
خليل...


حتى 17 أيار (مايو) المقبل ــــ «غاليري أيام» ــــ 963116131088 +
www.ayyamgallery.com