strong>عثمان تزغارت «كان» ليس أشهر المهرجانات السينمائية العالمية فحسب، بل هو أيضاً أضخم فعالية اقتصادية تُعنى بصناعة الفنّ السابع وتمويله. أبرز أفلام السينما العالمية لا تُعرض في «كان» فحسب، بل إنّ كلّ مراحل تصوّرها وإنتاجها تجري هنا في «السوق العالمية للفيلم» التي تقام على هامش المهرجان. رغم تأثيرات الأزمة المالية العالمية، سجّلت دورة هذا العام مشاركة 1018 مُخرجاً و4264 موزّعاً و4943 منتجاً، إضافة إلى 3964 ناقداً وصحافياً، من 120 دولة. فيما شهد المهرجان عرض أكثر من ألف فيلم روائي طويل، منها 20 في المسابقة الرسمية، و64 في التظاهرات الموازية. أما الباقي، أي حوالى 920 فيلماً، فعرضت في «السوق العالمية للفيلم» التي تعدّ أكبر تجمّع لمنتجي وموزّعي الأفلام في العالم. وقد جرى في إطارها توقيع ما لا يقل عن 1400 اتفاقية في صيغة عقود إنتاج أو توزيع سينمائي. وقد بلغت قيمتها الإجمالية 36 مليار دولار!
لضبط ذلك، يستند «كان» إلى جهاز تنظيمي وفريق عمل ضخم يضمّ 850 موظفاً من مختلف الاختصاصات، يشرف عليهم مجلس إدارة يضم 30 شخصاً. فضلاً عن هذا الفريق، نسج المهرجان شبكة عنكبوتية عالمية تضم المئات من «الأعين» و«الجواسيس» المكلفين برصد كل جديد من التجارب السينمائية في مختلف الدول.
وبذلك، أصبح الجهاز الإداري للمهرجان أشبه بشركة ضخمة متعددة الجنسيات، تتوزع فروعها عبر القارات الخمس، وتصل ميزانيتها السنوية إلى 25 مليون دولار. ورغم أنّها لا تدرّ أرباحاً بالمعنى التجاري، إلا أنّ مدينة كان التي تعدّ المموّل الرئيس للمهرجان، إلى جانب وزارة الثقافة الفرنسية، تجني خلال فترة انعقاده ـــــ أي خلال أسبوعين فقط ـــــ عائدات سياحية ضخمة تقدّر بـ400 مليون دولار!
أدرك المهرجان باكراً أن البقاء في المصاف الأول أبرز تظاهرة سينمائية عالمية لا يتأتى فقط عبر استقطاب أشهر رموز السينما المكرّسة، بل يحتاج أيضاً إلى مواكبة التجارب الناشئة في العالم، لأنها تضخّ في المهرجان دماءً جديدة، وتعطيه فرادة تقديم أكثر التجارب تجديداً ومغايرةً. وهو الأمر الذي يفسر تحوّل «كان» تدريجاً من قلعة ضيّقة لـ«سينما المؤلف»، ليصبح اليوم محجّاً سينمائياً شاملاً، لا يستقطب فقط المخرجين والنجوم، بل يجتذب أيضاً آلاف المنتجين القادمين لعقد صفقات وعقود الإنتاج المشترك، والمؤلفين الذين يبحثون عن مموّلين، والموزعين الذين يفتشون عن أعمال جديدة تتوافر فيها مواصفات الجودة. كل واحد من هؤلاء يجد ضالته في «كان»، حيث يمكن لمن يريد، خلال أسبوعين فقط، أن يشاهد من العروض ويعقد من اللقاءات والاتفاقات ما لا يستطيع تحقيقه على مدار الموسم السينمائي بأكمله! وهنا تكمن فرادة المهرجان.