من إيليا سليمان إلى شيرين دعيبس، مروراً بنسيم عماوش وشهرام العيدي وديما حمدان... سجّل العرب حضوراً لافتاً في «كان»، من خلال أفلام ذات إنتاج أجنبي غالباً
عثمان تزغارت
خلافاً للمظاهر، لم يقتصر الحضور العربي في «كان 2009» على حضور إيليا سليمان في المسابقة الرسمية بفيلمه الأوتوبيوغرافي «الزمن الباقي» الذي لم يجد له موطئ قدم ولو صغيراً في قائمة الجوائز! فقد شهدت الكروازيت مفاجآت عربية عدّة، من أنواع مختلفة. وكان لافتاً أنّ هذا الحضور جاء من خلال مخرجين شباب يقدّمون غالباً أعمالهم الروائية الأولى، وكلّهم تكوّنوا في المهاجر الغربيّة.
في «أسبوع النقاد»، أحرز الجزائري نسيم عماوش «الجائزة الكبرى» بباكورته «وداعاً غاري». ويصوّر الفيلم وقائع الحياة في حي عمّالي هجره أغلب سكانه، بعد إغلاق المصنع الذي كانوا يعملون فيه. ولم يبق في الحي المهجور سوى حفنة سكّان، في مقدمّهم فرانسيس العامل الستيني الذي يصرّ، رغم إغلاق المصنع، على الاستمرار في الاعتناء يومياً بالآلة التي عمل عليها طوال حياته... وماريا التي تربّي ابنها جوزي، وهو يتوهم بأنّ والده المجهول ليس سوى بطل أفلام الويسترن غاري كوبر، فيقضي وقته في البحث عنه بين أزقة الحي. في «أسبوع النقاد» أيضاً، حصد الفيلم العراقي «همس مع الريح» لشهرام العيدي ثلاث جوائز، بينها جائزة «النظرة الشبابية». وهو فيلم يعبق رقّةً وشاعرية، يروي قصة ساعي بريد في كردستان العراق، يقوم بتسجيلات صوتية من شتى الأنواع يتبادلها سكان القرى والأرياف الكردية، ما يجعل منه حافظ أسرار المنطقة وذاكرتها.
في تظاهرة «أسبوعي المخرجين»، احتلّت القضية الفلسطينية مكانةً مركزية عبر فيلمين. الأول هو «أمريكا» (بطولة هيام عباس ونسرين فاعور)، باكورة المخرجة الأميركية الفلسطينية شيرين دعيبس التي صوّرت بأسلوب تراجيكوميدي مغامرات أمّ فلسطينية وابنها يحصلان على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة. وبعد أن يعتقدا بأنّ الحلم الأميركي سينسيهما جحيم الاحتلال في بيت لحم، يتزامن وصولهما إلى هناك مع احتلال العراق، فيجدان نفسهما وجهاً لوجه مع العنصرية الأميركية بمختلف أشكالها. أمّا الفيلم الثاني فهو فلسطيني من داخل الخط الأخضر، وعنوانه «عجمي» لإسكندر قبطي ويارون شاني. ويروي المصائر المتشابكة لمجموعة شباب عرب وإسرائيليين في يافا، بدءاً بعمر الذي يعيش متخفّياً مع عائلته لأنّ أحد أعمامه جرح أحد أعيان المدينة، ومالك اللاجئ الفلسطيني الذي يتسلّل إلى إسرائيل للعمل من دون ترخيص، وناجي المراهق الفلسطيني الذي يحلم بحياة أخرى مع حبيبته الإسرائيلية. ورغم حب الحياة الذي تتسم به هذه الشخصيات، إلا أنّ العنف والحقد سرعان ما يخيّمان على كلّ أحلامها. وتجسّدَ ذلك عبر شخصية شرطي إسرائيلي عنصري يستبد به الحقد، فينتقم من كل ما يرمز إلى التعايس.
يافا أيضاً هي مسرح أحداث «يافا» لكارين ييدايا الذي عُرض في تظاهرة «نظرة ما»، ويروي قصة حب بين فلسطيني وإسرائيلية. تدور أحداث الفيلم في ورشة تصليح سيارات تشرف عليها امرأة إسرائيلية مع ابنها وابنتها، ويشتغل فيها عاملان فلسطينيان، هما: حسن وابنه توفيق اللذان يُعامَلان من صاحبة الورشة كأنهما من العائلة. لكن القناع سرعان ما يسقط، حين تنشأ علاقة حب بين توفيق وابنة صاحبة الورشة، لتطفو إلى السطح الذهنية العنصرية التي تتحكم بقطاعات واسعة من الإسرائيليين ذوي الأفكار اليسارية ممن يزعمون أنهم يؤيدون السلام، لكنهم في أعماقهم يتماهون مع أسطورة «النقاء العرقي» الصهيونية...
وأخيراً كانت فلسطين حاضرة أيضاً في تظاهرة Short Film Corner عبر شريط الأردنية ديما حمدان «غزة ـــــ لندن»، عن قصة شاب فلسطيني مقيم في لندن يحاول التواصل مع أهله في غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير. وضمن «أسبوعي المخرجين»، قدّم السوري رياض سطّوف شريطه الأول «القبلة الفرنسية» الذي صوّر فيه قصة حب إشكالية بين مراهقين فرنسيين من أصول ثقافية مختلفة. ولم يكتمل الحضور العربي من دون مشاركة مجموعة أفلام في «السوق الدولية للفيلم»، أبرزها شريطان مصريان، هما «دكان شحاتة» لخالد يوسف و«إبراهيم الأبيض» لمروان حامد.