ثلاث تجارب يحتضنها حالياً المركز الفنّي المعروف في الأردن، تتناول الحروب المختلفة التي توالت على المنطقة ورموزاً من زمن الرفض، والإعلام الذي لا يتّسع للشباب
عمان ــــ أحمد الزعتري
تراهن «دارة الفنون» في عمّان على الفنّانين الشباب، علّ رؤاهم تضخ دماءً جديدة في حالة ثقافية مصابة بالشيخوخة المبكرة. غصّت الدارة أخيراً بجمهورٍ قلّما يشارك في الفعاليات الثقافيّة: الشباب أنفسهم. وقد أطلقت برنامجها الصيفي بعرض ثلاث تجارب فنيّة معاصرة (آلاء يونس و«عالم يُحتضر»، والتلفزيون التفاعلي «عرمرم»)، تنقد الواقع وتدفع به إلى نهايته. إنّها وسيلة أخيرة للكشف عن تلك الهوّة التي تفصل بينهم وبين الواقع الذي اقترحته السياسة وتبعاتها من حروب واضطهاد.
الحرب إذاً هي ثيمة معرض الأردنية آلاء يونس (1974): حرب الأيام الستّة، عدوان تموز 2006، نهر البارد، وحرب غزّة. ترصد يونس الأثر الخفي لتلك الحروب في أعمال فيديو وتجهيز: لا كليشيهات أو رسائل ثوريّة، ولا أثر لمقاتلين أو دماء. كأنّ يونس تعمل في الباحة الخلفية للحرب. وبينما يُشغل الجميع بعدّ الضحايا، تُشغل هي بلملمة الحنين. «56 صورة من أجلك» عنوان عمل يتألّف من 56 صورة وُضعت في خط مستقيم بعضها إلى جانب بعض وجسّدت القدس وأسوارها، أبوابها وأصص الأزهار المتروكة على الشبابيك وسطوح منازلها الفوضويّة... كلّها إلى جانب 56 علبة دواء زجاجيّة داكنة مرصوفة على رفّ صغير. تشرح يونس «هذه علب دواء جدّتي التي ماتت العام الماضي. كنتُ أحتفظ بعلب دوائها عندما كانت في عمّان، وعندما ذَهَبَتْ إلى القدس، كانت ترسلها إليّ».
مقابل هذا العمل، تصطفّ صور وبطاقات بريدية لعائلتها أمام قبّة الصخرة من الستينيّات والسبعينيّات. العائلة المشتتة بين القدس والكويت وعمّان لم يلتق أفرادها في مكان واحد إلا افتراضيّاً، وكان كلما ذهب فرد منهم إلى القدس، تصوّر وأرسل صورته إلى الآخرين وهكذا دواليك.
«60 دقيقة من اللارؤية واللاسمع» أو «شكراً فرنسا» عمل مركّب من شريط فيديو وتجهيز من بقايا قطع حديد جسر أعادت بناءه فرنسا في لبنان بعد عدوان تمّوز 2006. السخرية هنا من المعونات العالميّة التي تُصلح كل شيء إلا الإنسان «عندما عبرت الجسر مع أصدقائي صرخوا جميعاً: شكراً فرنسا» تقول يونس.
شكراً عبد الناصر أيضاً، ولمَ لا؟ تعرض يونس ماكينتي خياطة من موديل «نفرتيتي» أوصى عبد الناصر بتصنيعها. هذه الماكينات عدّت رمزاً ثورياً اشتراكياً يشير ـــــ برأي الفنانة ـــــ إلى «عصر كامل وتوجّه دولة كان همّها الصناعة المحليّة من الإبرة حتى الصاروخ، وخيبة جيل كامل». في المعرض الثاني «عالم يُحتضر» لأحمد صبّاغ والألمانيّين تيبزم (ميشيل شخنكوته)، وأكوت (فلك ليمان)، لن يستعيد «الفن المَدَني» Urban Art في أعمالهم، الماضي ولا حتى الحنين. هنا رسمت مخلوقات مشوّهة: قزم يرتدي خوذة، كلب يرتدي تاجاً، شاب يقتلع سنّاً بكماشة تحت عبارة «مرغوب جداً». رغم أنّ صبّاغ يعترف بأنّ «لا شيء عميقاً في الأعمال»، إلا أننا نكتشف رموزاً من الستينيّات: زمن الرفض والـ «روك آند رول». ثمة لا مبالاة وتسطيح متعمّد للرموز، كما في لوحة ترتسم عليها شارة النصر على خلفية لناطحات سحاب.
لا يخرج مشروع قناة الويب «عرمرم» عن منظومة الرفض. «الإعلام الحالي غير قادر على خلق حوار حقيقي ليعبّر عن الشباب»، تقول إحدى مؤسسي المشروع سيرين الأحمد عن سبب إطلاقه. www.aramram.com بدأ بالبث فعلاً عبر 4 قنوات تبث برامج لا تتعدّى ثلاث دقائق: «عنجد» تعالج قضايا اجتماعيّة جديّة، «من هان» تولي اهتماماً بالمبدعين الأردنيين والأماكن الأردنية بطريقة غير رسميّة، «فزلكات» للبرامج الساخرة، و«عرمرميات» لمساهمات الشباب. «إذا ما بنسمع الخبر من التلفزيون الأردني في غيره، وإذا ما بنسمعه من غيره بنقرأه من مدوّن أو Youtube»، تقول سيرين بتحدٍّ يجب أن يُخشى منه.


حتى 16 تمّوز (يوليو) المقبل ــ «دارة الفنون»، عمّان ــ 96264643251 + ــ www.daratalfunun.org