خفّت الحملة الصهيونيّة وبقيت الأسئلة المعلّقة

النظام المصري أثبت مراراً أنه مستعد لكل التنازلات لمصلحة إسرائيل. لكن فاروق حسني، وهو أحد رموزه، قد يبدو، حتّى لبعض منتقديه، مرشحاً مقبولاً لقيادة «الأونيسكو». حجّة هؤلاء، الحملات المسعورة التي تعرّض لها وزير الثقافة المصري أخيراً، من أبواق صهيونيّة مثل لانزمان وفايزل و BHL

باريس ــ عثمان تزغارت
ماذا وراء حملة إسرائيل والأوساط الصهيونية الغربية على وصول مرشّح عربي إلى رئاسة الأونيسكو؟ صحيح أنّ إسرائيل ليست عضواً في المجلس التنفيذي للأونيسكو الذي تعود له صلاحية الاقتراع لتعيين الأمين العام للمنظمة الدولية في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. إلا أنّ حكومة الدولة العبرية والمنابر الصهيونية الموالية لها في أوروبا والولايات المتحدة، نجحت بأن تمنح إسرائيل دور الحكم في لعبة الترجيحات بين المرشّحين عبر إشهار تهمة «معاداة السامية» لقطع الطريق أمام وصول مرشح عربي إلى رئاسة الأونيسكو، وهو وزير الثقافة المصري فاروق حسني.
ما الذي أزعج الحكومة الإسرائيلية والمنظمات الصهيونية في مرشح كفاروق حسني يُعدّ في المنظور الغربي شخصيةً ذات مغريات كثيرة: «معتدل» و«منفتح» و«معروف بمعاداته للأصولية». وينتمي كذلك، منذ ربع قرن، إلى حكومة موالية للغرب، ومرتبطة بمعاهدة سلام مع إسرائيل، وتُعد قائد الأوركسترا لـ«محور الاعتدال العربي»؟
هذه الحملة الصهيونية المعادية لترشيح حسني تستند، على الصعيد العلني، إلى حجج قابلة للنقاش، مثل معارضته التطبيع الثقافي مع إسرائيل، وتصريحه عام 2006 بحرق الكتب العبرية في مكتبة الإسكندرية إذا وُجدت. لكن كل ذلك ليس سوى الشجرة التي تغطي الغابة. الاعتراض الإسرائيلي على وصول مرشح عربي، يرتبط قبل أي شيء بالدور الذي تضطلع به المنظمة الدولية في الحفاظ على التراث العمراني العالمي، ما يجعل منها الهيئة الدولية الأبرز التي يمكن عبرها التصدي لمشاريع تهويد القدس، والاعتراض على الحفريات غير القانونية التي تقوم بها المنظمات الدينية المتطرفة في إسرائيل، تحت المسجد الأقصى، أملاً بالعثور على آثار هيكل سليمان المزعوم. هذا الهيكل الذي تروّج الأساطير الصهيونية أنه كان قائماً قبلاً في المكان ذاته الذي بُني فيه الحرم القُدسي... والمعروف أن تلك الحفريات تمثّل خرقاً صارخاً للمواثيق الدولية، وأبرزها معاهدات حماية المواقع المصنفة ضمن التراث الإنساني المحمي من الأونيسكو.
قد لا يكون فاروق حسني المرشح الأوفر حظاً في الفوز برئاسة الأونيسكو. فهو يواجه منافسة من 8 مرشحين آخرين. وهناك بالتأكيد مآخذ يوجّهها خصومه إلى أدائه وزيراً للثقافة على مدى ربع قرن، وهناك أيضاً انتقادات للأساليب التي اتّبعتها الدبلوماسية المصرية للحصول على تزكية ترشيحه للأونيسكو (راجع «الأخبار» عدد السبت ١٣ حزيران/ يونيو). لكنّ الطريقة التي أُديرت بها الحملة الغربية ضده جديرة بأن نتوقف عندها.
هذه الحملة، وفقاً لما كشفته صحيفة «هآرتس»، أُطلقت إثر برقية سرية عمّمها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان على السفارات الإسرائيلية في العالم، طالباً حشد أوسع معارضة دبلوماسية لترشيح حسني. وبذلك، انطلقت حملة ضد الوزير المصري لتبلغ أوجها من خلال مقالة نُشرت في جريدة «لوموند» (21 أيار/ مايو الماضي) وحملت تواقيع ثلاثة مثقفين يهود بارزين، معروفين بمواقفهم الصهيونيّة وتعاطفهم مع إسرائيل: الفيلسوف برنار هنري ليفي والسينمائي كلود لانزمان من فرنسا، وحامل «نوبل» للسلام، الأميركي إيلي فايزل. وحسب ما نقلته مجلة «جون أفريك» الفرنسية، فتلك المقالة المدوّية التي وقّعها هؤلاء المثقفون، جاءت بإيعاز من إحدى أبرز منظمات اللوبي الصهيوني في أميركا، وهي جمعية «أيبك» American Israel Public Affairs committee. لم تلبث هذه الأخيرة، أن اتبعت تلك المقالة في «لوموند» بإطلاق حملة للمطالبة بترشيح وزير الثقافة الفرنسي الأسبق، جاك لانغ، لرئاسة الأونيسكو. وكان الهدف من تلك المناورة حرمان فاروق حسني من التأييد الذي يحظى به في بعض الأوساط الثقافية التقدميّة في فرنسا، لكونه مثقفاً فرنكوفونياً وفناناً محبوباً في أوساط «الضفة اليسرى» الباريسية.
لكن تلك الحملة سرعان ما توقفت إثر تعميم برقية أخرى على السفارات الإسرائيلية، طلبت منها الكفّ عن مهاجمة المرشح المصري، بعد تعهد نتنياهو بذلك للرئيس المصري، خلال قمة شرم الشيخ الشهر الماضي.
اللافت أنّه في الوقت الذي توقفت فيه هجمات الحكومة الإسرائيلية ومنظمات اللوبي الصهيوني عن مهاجمة المرشح المصري، انفرد برنار هنري ليفي بمواصلة الهجوم، فكتب في مجلة «لوبوان» الفرنسية: «بغض النظر عن الاعتبارات الدبلوماسية التي أملت على نتنياهو تغيير الموقف الرسمي الإسرائيلي، فأنا ما زلتُ عند رأيي بأنّ الوزير المصري غير مؤهّل لرئاسة منظمة مثل الأونيسكو!». ليفي ـ الذي يراه منتقدوه كاريكاتور المثقف الفرنسي الذي يمارس وصايته الأخلاقيّة على قضايا الكون بأثره ـ عاب على حسني أنّه متمسك برأيه بخصوص معارضة التطبيع الثقافي! واللافت أنّ BHL كان الوحيد بين خصوم حسني الذي ركّز على تمسّك الأخير بمبدأ معارضة التطبيع الثقافي. وكان الوزير المصري صرّح في «لوموند» (28 أيار/ مايو): «التطبيع لا يتحقق بقرار، بل سيكون بيد الشعوب أن تقرر ذلك، يوم سيصبح السلام، بكل متطلباته، حقيقة ملموسة في المنطقة».