دمشق ـــ بشير صفيرفي تمام العاشرة ليلاً، علا الصراخ في باحة قلعة دمشق عندما أطلّ الفنان زياد الرحباني وفرقته، بعد انتظار دام أكثر من ساعتين. نحو 5 آلاف شخص حضروا إلى القلعة بحماسة مشابهة للاستقبال الذي حظي به زياد العام الماضي، كأن هذه المرة هي الأولى أيضاً.
بعد استعدادات دامت أسابيع، انطلقت حفلات «منيحة...!!!» التي صاغ زياد تفاصيلها بدقة شديدة. فعلى برنامج السهرة شروح وتوجيهات «مسرحية»، ترسم للمشاركين حركتهم على المسرح وتفاعلات بعضهم مع بعض. هكذا أراد زياد «منيحة...!!!» عملاً مسرحياً غنائياً موسيقياً لا تتواصل مشاهده في سياق محدّد. ويعزّز هذا الجو بعض الإضافات السينوغرافية على المسرح والملابس والاسكتشات التمثيلية.
المسار «المسرحي» المضبوط، تقابله دقة أكبر في تنفيذ الموسيقى كما كتبها زياد. لكن الارتجال حاضر أيضاً في هذا السياق ويتولاه الرحباني ليضيف لمسته الفنية الآنية. أما أهم ما يمكن قوله عن «منيحة...!!!»، فهو أنها تغطي المسيرة الموسيقية والمسرحية والإذاعية و«الصحافية» لزياد. فالبرنامج يعود إلى مسرحية «سهرية»، ويصل إلى آخر مقالاته في جريدة «الأخبار» (سعر الكلفة)، مروراً بمعظم المحطات المهمة على امتداد ثلاثين عاماً. وأبرز ما في الحفلة «موسيقى القافلة» التي يُستهل بها الفصل الأول وأغنيتا «قلتيلي» و«هيك بتعمل هيك» من ألبوم «بما إنّو»، و«بنص الجوّ» و«معلومات أكيدة» و«معلومات مش أكيدة» من جديد زياد للفنانة لطيفة التونسية، بالإضافة إلى أعمال قلّما قدمها زياد في الحفلات مثل «ده فيلم أميركي طويل» و«ولا مين يحزنون» و«مشهد الفحص» و«ولّعت كتير» التي حضر فيها جورج بوش مغلق الفم على صدر الرحباني، في مقابل المنجل والمطرقة بحجم كبير على «تي شيرت» الموسيقي خضر بدران.
يسير هذا البرنامج البانورامي ولا يشعر الجمهور بتفاوت فني أو فكري بين أعمال البدايات والأعمال الجديدة. وهنا، يمكن استنتاج أمر وحيد: زياد بدأ كبيراً وبقي كذلك.
حرص زياد على تنفيذ الأعمال الغنائية والموسيقية كما كتبها في نسختها الأصلية، لكن الإضافات على مستوى التوزيع حاضرة، كما نعرف، في جميع إطلالاته. وأبرز ما يميّز «منيحة...!!!» من هذه الناحية الوتريات الجديدة في أغنيتي «خلص» و«روح خبّر»، وهذه ليست سوى نماذج لافتة.
أشرنا في مقالة الأمس إلى أن الأسطوانة التي تحتوي على تسجيلات من حفلات السنة الماضية ستكون متوافرة في «منيحة...!!!». لم تكن جاهزة مساء أمس، لكنها لن تتأخر كثيراً، ومن المفترض أن تُباع هذا المساء على مدخل القلعة.
ملاحظة أخيرة: تفاوت شغف الجمهور الشامي بزياد بين مَن طالبه بالمزيد في نهاية الحفلة ومَن غادر قبيل انتهائها، علماً بأن الفئة الأكثر شغفاً حضرت من الأطراف الخارجية للباحة.
من جهة ثانية، تجدر الإشارة إلى أنه بعد دمشق يعود زياد والفرقة إلى بيروت لتقديم ثلاث حفلات مشابهة في 24 و25 و26 تموز/ يوليو الجاري (قصر الأونيسكو).