فناّنة الغرافيك استلهمت تجربتها لتقدّم معرضاً فوتوغرافياً يجمع الصور ذات الهندسة المتناغمة. «القاعدة الثلاثية» خلاصة تجوال طويل بين عواصم العالم
زينب مرعي
بين أثيوبيا وباريس، اسطنبول وبيروت ودمشق، وغيرها من البلدان التي شكّلت مسرحاً لحياة يمنى حبّوش (1982) خلال السنوات الثماني الماضية، لن تلحظ الفرق. تفاصيل أو حركة صغيرة تصوّرها الفنّانة الشابة في الشوارع أو في المحال، فتصبح الأماكن كلّها واحدة في كادر يجمع ثلاث صور أو صورتين، أو صوراً أخرى مربّعة وضعتها حبّوش في كادر وحدها. إلا أنّها لا تكتسب معنى هي الأخرى إلا عندما تجمعها الفنّانة على شكل ثلاثيّة على الحائط. عنصر معيّن ـــــ لون أو حركة ـــــ يشكّل صلة وصل بصريّة بين الصور التي اختارت حبّوش أن تجمعها في كادر واحد. تقول الفنّانة، التي درست الفنّ الغرافيكي، إنّها هكذا ترى الصورة.
في معرضها الأول «القاعدة الثلاثيّة» الذي يستمرّ لغاية 19 أيلول (سبتمبر) في غاليري The running horse، جمعت حبّوش الصور التي التقطتها خلال السنوات الثماني الأخيرة وجمعت ما يتناسب منها بعضه مع بعض في كادر من صورتين أو ثلاث. «أرى دائماً أنّ الأشياء لها نمط معيّن أو هندسة معيّنة تتماشى مع بعضها من خلاله، وأحاول أن أوصل ما أراه بعيني المجرّدة إلى الناس عن طريق الكاميرا، ربما يعود هذا الأمر إلى كوني مصمّمة غرافيكيّة في الأساس. لو كنت مصوّرة فقط لكنت اكتفيت بعرض صور أحاديّة، لكنني في هذا المعرض أريد أن أقول إنّني لست فقط مصوّرة، وإنني أرى الصور بهذه الطريقة». صور حبّوش تبيّن أنّ التصوير هو فعل شخصي جداً وعفوي لديها.
صورها تُشبه شخصيتها، وتبعث على الكثير من التأمّل. إنّما هو التأمّل والصبر لالتقاط الصورة العفويّة. تصوّر أشياء صغيرة لا معنى لها بحدّ ذاتها، إنّما هذه الصلة التي تربط الصور في النهاية ـــــ إن كان من جهة الموضوع أو من الجهة الفنيّة ـــــ هي التي تجعل العمل مميزاً في النهاية.

درابزون صدئ وشراع سفينة... وكبيس مغلّف
في هذا المعرض، لا تؤمن الفنّانة بقوّة التعبير المنبعثة من صورة واحدة، بل تريد إيصال إحساسها عبر صور عدة في كادر واحد. ربما لأنّ صورها فعلاً لا تكتسب أي معنى منفردة. فالدرابزون الصدئ الذي تصوّره حبّوش أو اللقطة المقرّبة جداً لشراع سفينة أو كبيس مغلّف، هي لقطات لا تملك قوّة إيصال معنى، لأنّها ليست صورة مكتملة بحدّ ذاتها، هي أشلاء ظاهرة تحتاج إلى ما يكملها. أمّا عندما تصبح جزءاً من الكادر الكامل، فتصبح كأنها حلقة من لعبة puzzle (تركيب). وتنطلي هذه التقنيّة على الصور القليلة الموضوعة في كادر وحدها، لكنها معلّقة إلى جانب صورتين ليشكلا أيضاً ثلاثيّة. هذه هي طريقة عمل يمنى حبّوش التي لا تخرج إلى الشارع معتقدة أنّها مصوّرة محترفة أو أنّها تصوّر لمعرض تريد العمل عليه، إنّما تراقب بعينيها، وإذا أعجبها ما تراه تلتقط له صورة وإن لم يظهر كما رأته بعينها، تمحوه. هي ترفض القول إنّها مصوّرة فقط، بما أنّها لا ترى بعدسة كاميرتها بل حتى إنّها لا تأخذها معها أينما حلّت أو سافرت. لا تخاف حبّوش على اللّقطة بل تفضّل النظر والاستمتاع بالمنظر فقط وإن استطاعت أن تظهّر الكاميرا ما تراه، فليكن. تفضّل الفنّانة عدم تعكير صفو صورتها بالمسائل التقنيّة أو أن تضع لنفسها حدوداً خلفها، فهمّها الأول هو أن تعجبها الصورة.
هدوء حبّوش يبان في صورها. لا شيء مقلق فيها حتى تلك التي تلتقط فيها حركة المارّة أو حركة الشارع. لا تجد في صورها ثنائية «الحركة ـــــ الوقت»، ربما لأنّ بعضها بالأسود والأبيض فيضعها خارج إطار زمننا وارتباطاتنا الحالية، وبعضها الآخر ملوّن إلا أنّه يصوّر الحركة في أماكن تجمّعات الناس فلا يبعث على الإحباط، إضافة إلى أنّ طريقة جمعها الثلاثيّة تفسح بالمجال أمام المتأمّل لإكمال اللّوحة أو القصّة، بما أنّ صور حبّوش تروي مشاهد ومحطّات من الحياة.


حتى 19 أيلول (سبتمبر) المقبل ــــ غاليري Runnning Horse (الكرنتينا، بيروت) ــ للاستعلام: 03/710225