محمود عبد الغني
صدر العدد البديل من مجلّة «نيشان» التي صودرت 50 ألف نسخة منها الأسبوع الماضي بسبب نشر استطلاع عن حصيلة عشر سنوات من حكم الملك محمد السادس. وقد رأت الحكومة المغربية ـــــ على لسان وزير الداخلية شكيب بنموسى ـــــ أنّ الاستطلاع «مرفوض نهائياً في المغرب». أما العدد الحالي من «نيشان» فهو بديل صنعه الفريق الصحافي في المجلة على عجل، بعدما أعدمت الحكومة كل الأعداد من المطبعة مباشرةً.
وجاءت افتتاحية العدد البديل لتتساءل عن البند القانوني الذي اعتمدته الحكومة لمصادرة العدد في غياب أي قانون يؤطّر استطلاعات الرأي في المغرب. ففي كانون الأول (ديسمبر) 2006، صدّق مجلس الحكومة على مشروع قانون يهدف إلى منع استطلاعات الرأي بشأن «مواضيع تفتقد المشروعية». وحين وصل مشروع القانون إلى مجلس الوزراء، الذي يرأسه الملك شخصياً، جرى التخلي عنه. والحقيقة أنّ «نيشان» ليست وحدها في عملية الجذب بين الحكومة والصحافة في المغرب. المدّ والجزر اللذان يحكمان العلاقة بين السلطتين الأولى والرابعة في قضية حرية التعبير هما مد وجزر ذَوَا جذور عميقة لا بد من الوقوف عندها. الصحافة المغربية كانت دائماً نقطة اصطدام مع النظام المغربي. فقد تعرّض الصحافيون لعمليات عديدة من المنع والاعتقال خلاصتها 25 سنة من السجن موزَّعة على العديد من صحافيي المغرب منذ 1999، وتغريمهم أكثر من مليوني يورو.
ويرى العديد من الباحثين في الحقل الإعلامي في المغرب أنّ حرية الصحافة لا يمكن فصلها عن النقاش السياسي والمؤسساتي العام: هناك من يَعزو هذا الاصطدام بين الصحافة والسلطة إلى القارئ المغربي المتطلّب أكثر من قرّاء الأجيال السابقة، وهناك من يعيده إلى أنّ المغرب لم يحسم بعد خياراته الديموقراطية. لكن الثابت في ذلك أنّ الصحافة تمثّل مصدر إزعاج للسلطة العليا. وذلك يعود إلى «محدودية السقف الدستوري والسياسي المتاح أمام الأحزاب داخل البرلمان» حسب تعبير الباحث في العلوم السياسية عبد العلي حامي الدين. وهذا ما يفسّر أيضاً تراجع صحافة الأحزاب التي كانت في صفّ المعارضة سابقاً. في هذا السياق، تطالب الصحافة بأن تتمتع بالحرية المطلقة، وبأن تتناول كل شيء من الملك إلى آخر مواطن في المملكة. وهو الأمر الذي قد يقود إلى سوء استخدام حرية التعبير حسب بعضهم. مجلة «نيشان» مثلاً تتوجّه إلى قارئ في سياق ثقافة قراءة جديدة لا تميل إلى التحليل بل إلى كسر المحرَّم والتابو والاصطدام بالسلطة التي تدافع عنهما.


هيئة عليا للصحافة

في 2004، أحدث الملك المغربي محمد السادس (الصورة) مؤسسة لمراقبة الإعلام السمعي البصري هي «الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري». وقد أدّت الهيئة دوراً كبيراً في تنظيم العديد من الوسائل الإعلامية السمعية والبصرية. وبفضلها، أبصر النور العديد من الإذاعات والفضائيات. ومن المنتظر أن تبصر النور أيضاً «هيئة عليا للصحافة المكتوبة» تضطلع بالدور عينه الذي تقوم به نظيرتها السمعية البصرية... فهل تعوِّض هذه الهيئة التشويش الحاصل بسبب غياب القوانين المنظّمة للإعلام في المغرب، وتخفّف من حدة الاصطدام وسوء الفهم الذي حمي وطيسه في الآونة الأخيرة؟ أم أنّها ستقيّد الإعلام أكثر؟