عن الحرب والهوية والذاكرة وقضايا أخرى زينب مرعي
أنت أسير حرب، محجوز كلّياً داخل علبة من الصفيح، باستثناء الذراعين، تزحف لاهثاً في أرض المعركة. درجة حقل الرؤية: صفر. لا ترى، لا تفكّر. التوجيه العمليّاتي يوجّهك، «أمام، يمين، يسار»، حتى تخرج من أرض العدو وتصل إلى حدود أرضك، فتخرج من الجهاز بمساعدة خارجيّة. بهذا الجهاز/ الرمز، «أسير الحرب» الذي ابتكره برنار خوري والمعروض حالياً في «مركز بيروت للفن» ضمن معرض يحمل اسم الجهاز، أراد المعماري اللبناني أن نتخطّى الآثار الفنيّة الأكثر أيقونيّة أو الأوسع شهرة لفنّانين معاصرين لبنانيين، وأيضاً الرموز اللبنانيّة القديمة، وخصوصاً تلك المتعلّقة بالحرب، كي يعبر مرحلة تبسيط التاريخ.
المعرض مؤلّف من عملين: «كاترين تريد أن تعرف» عبارة عن «علبة مضيئة» Lightbox فيها مجموعة من الصور المتّصلة... و«أسير الحرب» الذي هو عبارة عن تقنيات مختلطة وفيديو، يعرض فيه خوري الجهاز الذي أعطاه اسم «أسير الحرب» مع فيديو يبيّن طريقة عمل افتراضيّة لهذا الجهاز. وقد عرض خوري هذا العمل في إيطاليا، العام الماضي. بعمله هذا، أراد خوري أن يوجّه نقداً إلى الجيل الجديد من الفنانين اللبنانيين الذين يركّزون كثيراً، في رأيه،

دعوة إلى تخطّي مرحلة تبسيط التاريخ
على ثيمة الحرب، وإلى ممارساتهم السياقيّة العنيدة في معالجة قضايا الحرب والهوية والذاكرة، حتى أصبحوا يسوّقون للغرب هذه الفكرة ـــــ دون سواها ـــــ عن مجتمعنا. وإن كان برنار خوري يعترف بأنّ الحرب هي واقع معيش في بلدنا، إلا أنّها ليست الواقع الوحيد بالنسبة إليه، وبالتالي ليس محقاً في أن نرى هذا الجزء من تاريخنا فقط، ونقوم بتبسيطه إلى هذه الدرجة. وضع خوري لجهازه منظومة عمل. هو جهاز ذاتي الدفع، لا يتطلّب تشغيله أي تسيير آلي، بل يُدفع إلى الأمام بقوّة جرّ الأسير لذراعيه على الأرض، أو الزحف بمعنى آخر، بهدف إعادة أسرى الحرب إلى خطوط العدو. في الفيديو، ترى طريقة عمل مفترضة لهذا الجهاز الذي تبدو فكرته تراجيديّة وكرتونيّة بعض الشيء، لجهة أنّ الأسير مغطّى بجهاز من الصفيح، غير قادر على الرؤية، تحرّكه يداه فقط والصوت الذي يوجّهه... أو يضلّله في بعض الأحيان. هكذا، ترى الأسير يدور في حلقة مفرغة فوق أرض المعركة، يلهث، يجرجر فوقه حملاً ثقيلاً، ويرتطم ببعض الأشياء... وفي النهاية لا يصل إلى أي مكان. وبهذه الوسيلة يعبّر برنار خوري عن مراوحة الفن المعاصر حقل الحرب وعدم قدرته على تخطّيها أو رؤية أي شيء آخر، ويحاول تسليط الضوء على العجز عن العمل أو الوجود خارج هذه الثوابت الجماليّة.
ويكرّس خوري فكرته تلك في «العلبة المضيئة» التي استوحت اسمها من فيلم بعنوان «بدي شوف» لخليل جريج وجوانا حاجي ـــــ توما من بطولة كاترين دونوف. يعرض خوري مجموعة من الصور التي تجمّل الحرب، برأيه، على نحو منهجي. هكذا، سيشاهد الزائر صوراً نمطيّة عن الحرب اللبنانيّة أو القصف الإسرائيلي، من منازل مدمّرة أو محترقة، بينما يظهر خوري نظرته المغايرة في هذا العمل المؤلّف من مجموعة صور متداخلة. فإذا بصور الحرب تتداخل مع الأمل، أو يكمل بعضها بعضاً، فترى جبال الأرز المغطاة بالثلج متّصلة بهضاب الجنوب التي يقصفها الطيران الإسرائيلي، أو صورة سيارة عسكريّة تسير على الشاطئ متصّلة بأخرى تظهر طابع المرح والصيف للمكان. صور مختلفة ومتناقضة يجمعها خوري جنباً إلى جنب، ترى في مقدّمها مرّة أخرى صورة «أسير الحرب» الذي يحاول الخروج من الكادر. ولعلّ تلك الصورة تحاكي بشكلها ابتكاراً آخر هو ملهى BO18 المعروف (من تصميمه أيضاً) الذي حضر أيضاً في «العلبة المضيئة»... وقد زرعه خوري في البحر!
بين كلّ هذه الصور المعروضة، يُبرز خوري الطابع المختلف والمغاير لتصاميمه... كأنه يبرز هنا أو في المعرض عموماً فلسفته المغايرة والتصوّر الفكري الذي يقف خلف تصاميمه المعماريّة، أكانت في ناد ليلي كـBO18، أو مطعم كـ«السنترال» و«ياباني»، وغيرها من تصاميمه.


حتى 3 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، «مركز بيروت للفنّ» (جسر الواطي
ـــ بيروت): 01/397018