بشير صفيرما يجعلنا نعود مراراً إلى فنانٍ معيَّن هو وتيرة إنتاجه وجودته. تكاد تكون أسطوانات الموسيقى الكلاسيكية المحلية «الصنع» معدومةً، إذا استثنينا إصدارات عازفة البيانو الأوكرانية اللبنانية تاتيانا بريماك ــــــ خوري. بعد بيتهوفن وموزار وبرامز وشوبان والتسجيل الأخير الذي أدّت فيه أعمال بيانو لعميد المؤلفين اللبنانيين الكلاسيكيين توفيق سكّر، تصدِر تاتيانا أسطوانة خصّصتها للمؤلف الروسي سيرغي رخمانينوف، تطلقها اليوم في أمسية خاصة تؤدي خلالها المقطوعات التي حواها التسجيل.
هذا التسجيل هو أفضل ما قدمته تاتيانا في مسيرتها، يبرز النضج الأدائي المتنامي عندها مقارنة بالتسجيلات (أو الأمسيات)
القديمة. وعندما نتكلم عن حسن ومستوى الأداء لدى هذه العازفة، نعتمد التسجيلات المرجعية، معياراً للمقارنة. من دون مبالغة، تنافس تاتيانا، في جزء مما تقدّم هنا، أبرز الأسماء العالمية التي نعرف أداءها لأعمال رخمانينوف. عموماً، تبرز تاتيانا ـــــ وهي من تلامذة المدرسة الروسية في البيانو
ـــــ فهماً عميقاً لجوهر المقطوعات التي اختارتها. كما تؤكد ميلها إلى المعلم الكبير، عازف البيانو الراحل فلاديمير هوروفيتز، وذلك عبر أسلوب التعامل مع نوتات الطبقة المنخفضة: إضافة برهة زمنية طفيفة (Soupir) قبل ضرب هذه النوتات، بغية تأخيرها، وذلك لتظهيرها بصورة مستقلة.
تبدأ الأسطوانة بآخر عمل كتبه رخمانينوف للبيانو المنفرد «تنويعات على موضوعة لكوريلّي»، استناداً إلى لحن «لا فوليا» الشهير الذي استخدمه كثيرون بينهم الإيطالي من عصر
الباروك، أركنجيلو كوريلّي. إنها مقطوعة ضخمة وتشكل العمود الفقري في هذا التسجيل، لأنها تحمل كل الألوان والحالات والصعوبات. ومستوى الأداء فيها يخلق عند المستمع علاقة ثقة مع العازفة، ويطمئن الأذن لجهة جودة ما سيَلي. تتوالى المقطوعات وفقاً لخط مستقيم يتبع رؤية أدائية خاصة. بمعنى أن العازفة توقّع العمل وتجعله «ماركة مسجلة» باسمها. هذه الفرادة من أبرز نقاط القوة في الأداء الكلاسيكي، بغض النظر عن ميول المستمع إلى رؤية هذا العازف أو ذاك. وكاد العمل يكون كاملاً، لولا مشكلة طفيفة في مستوى التسجيل والأداء المتفاوت بين الجيد والعادي في المقطوعة الأخيرة. ولكن، متى يستيقظ القيّمون على الفن، ويقدمون لتاتيانا ظروفاً وأدوات عمل تليق بمستواها وتقديراً للفنّ قبل أي شيء؟

---

7:00 مساء اليوم ـــــ «جامعة البلمند» (شمال لبنان) ـــــ للاستعلام: 06/930250