اعتمد جاك دوران في دراسته على أمثلة مستلّة من منجزات نهاية الستينيات، وقد تبدو للقارئ المتابع متجاوزة. غير أن جل المجازات الأيقونية المتناولة في الدراسة ما زالت قائمة بعنفوان، وإن بتقنيات أكثر جدة. تجدر الإشارة إلى أنّ شاكر لعيبي اجتهد في ترجمة عنوان الدراسة الأصلي Rhétorique et image publicitaire. عوضاً عن اكتفائه بالترجمة الحرفية، قدّم عنواناً قريباً من حساسية القراء العرب وإرثهم الثقافي، كذلك زود الترجمة مجموعة ملاحق وبجَرد مزدوج اللغة لمصطلحات تُنقل للمرّة الأولى إلى العربية، في اجتهاد علمي شجاع.
تعريب مصطلحات جديدة في اجتهاد شجاع
لا يكتفي لعيبي بترجمة الكتاب فحسب، بل يستضيفه أيضاً للإقامة في عالم بلاغي مختلف تماماً زماناً ومكاناً. وتجدر الإشارة إلى أنّ البلاغة العربية ظلّت حبيسة المصنّفات المدرسية المكرّرة، وبقيت بعيدة عن استثمارها في حقول أخرى غير حقول الخطاب اللغوي. بخلاف قرينتها الفرنسية التي استخدمت دوماً في السينما والرسوم المتحركة والفوتوغرافيا. وقد اشتغل المثقفون الأوروبيون على هذه المجازات ذات الصلة المبدئية بالخطاب اللفظي، وفعّلوها بحيوية في حقل اللغة الأيقونية.
الإضافة العميقة التي تقدمها الدراسة هي إبراز كيف أن البلاغة البصرية ليست عملاً تلفيقياً. هي لا تستجلب قسراً مصطلحات حقلٍ معيّن إلى حقل مختلف، ولا تقوم بتقويل بصري ما تقوله البلاغات اللفظية. بل تؤكد أنّ الأيقونة البصرية، تمتلك بلاغة تأويلية على تماس مع المجازات اللفظية المعهودة. هنا يمكن القارئ أن يتذكّر دراسة شاكر لعيبي «العمارة الذكورية: فن البناء والمعايير الاجتماعية والأخلاقية في العالم العربي» (رياض الريس ـــــ 2007)، وهي دراسة طبّق فيها أيضاً الدراسات السيميائية والتأويلية. في الخلاصة، يؤكد جاك دوران أنّ علم البلاغة الذي أهمله اليوم التعليم الرسمي و«الأدب الرفيع» يبدو كأنه قد وجد ملجأً له في عالم الإعلانات.