محمد عبد الرحمنبعدما أجمعَ المحلّلون والنقّاد المصريون على رفض الاعتداءات التي طالت المشجعين المصريين من بعض الجمهور الجزائري المتعصب في الخرطوم، خرجت أخيراً الأصوات العاقلة لتندّد بحالة الشوفينية التي سيطرت بقوة على وسائل الإعلام الخاصة من جهة والصحف الحكومية من جهة أخرى. حتى أنّ أصحاب دعوات التهدئة أمثال محمود سعد ومنى الشاذلي تعرضوا لهجوم عنيف من كتّاب محسوبين على الحزب الوطني الحاكم. لكن مع هدوء العاصفة وتراجع غبار التعصب والكراهية بين المصريين والجزائريين، أصبحت الفرصة مواتية لمحاكمة الطريقة التي أديرت بها الأزمة بين مصر والجزائر بسبب مباراة كرة القدم التي أصبحت تاريخية بين منتخبي الفراعنة ومحاربي الصحراء.
بدأت المحاكمة بانتقادات حادة للطريقة التي تعاملت بها أجهزة الدولة، وخصوصاً وزارة الخارجية متمثلةً في سفارة مصر في الخرطوم مع عملية نقل المشجعين المصريين إلى العاصمة السودانية من دون تنبيههم إلى المخاطر المحتملة. ثم تركز الحساب على طريقة تعامل وسائل الإعلام، وخصوصاً مقدمي البرامج الرياضية مع الأزمة. علماً

أصحاب التهدئة تعرضوا لهجوم عنيف من كتّاب محسوبين على الحزب الوطني الحاكم
بأنّ كلهم تركوا المهنية جانباً وارتدوا ملابس لاعبي الكرة لأن معظم الإعلاميين الرياضيين في مصر كانوا قبل سنوات قليلة لاعبين في المنتخب المصري. هكذا، تعاملوا بطريقة المشجعين مع المقالات الجزائرية المسيئة لمصر. ما أدى إلى حشد المزيد من المشاعر الغاضبة ضد الشعب الجزائري بكل فئاته وبلا تمييز. واللافت أنّ أصواتاً علت بالتزامن مع الأزمة، ودعت إلى مصر إلى الابتعاد عن دعم فكرة القومية العربية والانفصال عن محيطها العربي. إلا أنّ الأصوات العاقلة التي اختفت تماماً طوال الأزمة، عادت لتحذّر أخيراً من مغبة الاستمرار في نشر هذه الدعوة وهذا الخطاب، لأنّ قوة مصر الحقيقية تكمن في عدم انفصالها عن الجسد العربي. إلا أنّ مَن يشاهد الفضائيات والمحطّات المصرية لا بد من أن يطرح سؤالاً مهماً: كيف نطالب وسائل الإعلام العربية بالانحياز لمصر بينما الشاشات والصحف المصرية غارقة في المحلية ولا تعرف شيئاً عما يجري حالياً في الدول العربية من متغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية؟ إذ يعاني الشارع المصري من جهل دائم بالشأن العربي ما عدا القضية الفلسطينية التي تراجع الاهتمام بها أيضاً في وسائل الإعلام المصرية. بينما ما يحدث في اليمن من حرب أهلية وفي دبي من أزمة اقتصادية وفي لبنان من مشكلات سياسية وغيرها من القضايا العربية تبقى غائبةً تماماً عن الشاشة المصرية. هذه الصدمة لم تمنع كاتباً ساخراً هو عصام حنفي من توجيه اللوم لنقابة المحامين المصريين بسبب قيام أعضائها بحرق العلم الجزائري خلال وقفة احتجاجية، أولاً لأن نقيب المحامين هو أيضاً رئيس اتحاد المحامين العرب وثانياً وهو الأهم لأنّ مَن حرق العلم المصري في السودان هم مجموعة من المتعصبين لا يمثلون الشعب الجزائري عكس المحامين الذين يمثّلون الشعب المصري.