محمد عبد الرحمنرغم انتماء الأفلام المصرية التي عرضت في «مهرجان القاهرة السينمائي» الأخير إلى مدارس فنيّة متنوعة، إلا أنّها توقفت جميعها عند سؤال الهوية. إجماع غير مقصود، لكنَّه يحيلنا إلى بحث السينما المصرية عن إجابات عن أسئلة ملحّة تطارد المصريين، في مواجهة سيطرة الأفلام الكوميدية.
كانت العودة إلى سؤال الهوية منذ البداية مع شريط «المومياء» (1968) لشادي عبد السلام (1930 ـــــ 1986)، السينمائي الذي أهديت إليه دورة المهرجان. عرض العمل الذي يعدّ من كلاسيكيات السينما العربيّة، بعدما رمَّمته مؤسسة «سينما العالم» التي يرأسها مارتن سكورسيزي. يطرح الفيلم تساؤلات عدّة عن علاقة المصريين بالفراعنة وتوفيقهم بين حماية تراث الأجداد والتفاعل مع المحيط العربي.
«عصافير النيل» (عن رواية إبراهيم أصلان) يطرح غربة الفلاح المصري في القاهرة
من جهته، طرح عمل مجدي أحمد علي «عصافير النيل» (2009ـ ــ الصورة) المأخوذ عن رواية إبراهيم أصلان، أزمة اغتراب الفلاح المصري داخل القاهرة. البطل عبد الرحيم (فتحي عبد الوهاب) مثلاً، لا يجد الراحة إلا عندما يعود إلى البلد. الحالة نفسها تمرّ بها كلٌّ من نرجس (دلال عبد العزيز) والبهي (محمود الجندي). يعيش عبد الرحيم علاقات عاطفية كثيرة، لكنَّه لا يتزوج إلا من بنت البلد. ينتهي الشريط بمشهد أم عجوز تعيش على ذكريات الماضي بعد وفاة أبنائها، تخرج إلى الطريق السريع بحثاً عن سيارة تقلِّها إلى مسقط رأسها الذي لم تعد تذكر اسمه.
أما فيلم «هليوبوليس» (2009) لأحمد عبد الله، فيخوض في الهوية الثقافية لمصر من خلال شباب يقيمون في مصر الجديدة. يرصد العمل، وثائقياً، المتغيّرات التي طالت الحي منذ بناه البلجيكيون قبل مئة عام. يؤدي خالد أبو النجا شخصية باحث يتحاور مع سيدة مصرية يهودية، ما زالت تقيم في مصر. وعندما حاول أن يصوّر لها ملامح مصر الجديدة بالكاميرا لكونها معزولة داخل منزلها، فوجئ بضباط الشرطة يمنعونه، فيما تمكّن صديقه من الحصول على المخدرات بسهولة في الشارع نفسه. تستوقفنا في الشريط شخصية عاملة استقبال في فندق (حنان مطاوع)، أقنعت أهلها في الريف بأنها تعمل في باريس لا في القاهرة. نراها تقضي أيامها بين القنوات والمجلات الفرنسية بحثاً عن ذكريات قاهرة المعز عندما كانت قطعة من أوروبا.