زينب مرعي
المكان: غزّة. الزمان: من 27 كانون الأول (ديسمبر) 2008 حتى 18 كانون الثاني (يناير) 2009. تاريخ لم ننسه بعد، هو تاريخ «عمليّة الرصاص المسكوب» التي قادها الجيش الإسرائيلي على القطاع المحاصر. يومها، مُنعت الصحافة العالميّة من أن تشهد، فكانت صور وكالة «رامتان» الفلسطينية هي الشاهد الوحيد على المجزرة المتواصلة. لكنّ المخرج والصحافي الإسباني ألبرتو أرسي (الصورة) الذي يؤمن بأن يد الصحافي هي تلك التي تضيء الغرف المظلمة، قرّر البقاء مع عدد صغير من الناشطين الدوليين داخل القطاع، لمقاومة سياسة التعتيم الإسرائيليّة. وثّق أرسي أيام العدوان، بمعاونة مرشده الفلسطيني محمد رجيلي. والنتيجة فيلمه «أن تطلق النار على فيل» الذي جال على عدد كبير من عواصم العالم، وصولاً إلى بيروت حيث عرضه أخيراً «التجمّع اليساري من أجل التغيير».
يختار المخرج أن يصوّر شريطه الوثائقي من خندق المسعفين. يتنقّل معهم ليرى من هم شهداء هذه الحرب وجرحاها، ثمّ يشهد على قصف المستشفى واستهداف سيارات الإسعاف واستشهاد المسعفين، ثمّ استهداف المدرسة التابعة للأمم المتحّدة، حيث لجأ المدنيّون. من هنا، يطلق أرسي، في 2009، صرخة ضدّ الإمبرياليّة والاحتلال مماثلة لتلك التي أطلقها الكاتب البريطاني جورج أورويل عام 1936 في نصّه Shooting the elephant الذي يحيل عليه عنوان شريط ألبرتو

وقائع 21 يوماً من العدوان الإسرائيلي الذي تعامى عنه العالم
أرسي. الراوي في قصّة أورويل غير راضٍ عن دوره في تمثيل الاحتلال البريطاني في بورما والهند، لكن عندما توكل إليه مهمّة قتل «الفيل الثائر»، يفعل ذلك رغماً عنه، كي لا يخالف الأوامر الموجّهة إليه أولاً، ثمّ كي يحافظ على هيبته أمام السكّان المتجمهرين حوله ليشهدوا قتل الفيل.
راوي قصّة أورويل يشبه المجتمع الدولي في فيلم أرسي. يتوقّع الغزّاويّون أن تنتفض الأمم المتّحدة بعدما استهدفت إسرائيل مدارسهم والمدنيين، لكن الأمر لا يحرّكها. ثمّ ينتظرون الغضب الدولي بعدما أحرقت إسرائيل بالفوسفور أكبر مخزن للطحين والأدويّة في غزّة. لكن أيضاً لا شيء. هل المجتمع الدولي هو راوي أورويل إذاً؟ ذلك الذي يعرف أنّه مخطئ لكنه مجبر في النهاية على تنفيذ أوامر الاحتلال؟ الحصيلة شهدناها على شاشاتنا وفي فيلم أرسي الذي يروي قصّة 21 يوماً من قتل الفيلة التي تقول خلاصة أورويل إنّهم لو تركوها تعيش، لكانوا بقوا أحراراً.
www.toshootanelephant.com