تونس ــ سفيان الشورابيماذا بقي للعرب من الأندلس سوى الحنين إلى عهود المجد والرخاء؟ وماذا خلّدت الذاكرة الجمعية للشعوب العربية غير ذكريات انتصارات غابرة طواها الزمن؟ سقطت غرناطة عام 1492 وطُرد المورسكيون عام 1610، وما زلنا نرى أن للمسلمين حقّ العودة إلى ما أُخذ منهم غصباً. الأمسية الموسيقية التي أحيتها الفنانة التونسية سنية مبارك يوم الثلاثاء الماضي، في المسرح البلدي في العاصمة تونس، أرادت من خلالها أن تعكس صورة أخرى عن كيفية تطلّع أهالي جنوب المتوسط إلى حضارة شبه الجزيرة الأيبيرية: قناة تواصل وجسر تلاق بين ثقافات متعدّدة ومتنوّعة يسعى الآخرون إلى جعلها في حالة صراع وكراهية. الأمسية حملت عنوان «تحية إلى لوركا وغرناطة» وضمّت 15 أغنية باللغتين العربية والإسبانية. انطلقت مبارك من أشعار الشاعر وكاتب المسرح الإسباني المولود في غرناطة (1898ـــــ 1936) فأدّت مقطوعات مزجت فيها أشكال الموسيقى العربية والأندلسية والتونسية، وشكّلت رحلة كرّمت فيها الشاعر الذي ناصر الفقراء والمسحوقين، فكانت رصاصات فاشيّي فرانكو مصيره. استعادت مبارك في حفلتها تجربة لوركا الإبداعية من خلال رؤية عربية، ونفذت إلى عوالم غرناطة، مستعيدة الموشحات الشهيرة للشاعر الأندلسي ابن الخطيب. كذلك غنّت للشاعر نزار قباني

«نشيد جنائزي» و«القيثارة» و«غزالة الحب اليائس» قصائد غنّتها الفنانة التونسية من خلال مواويل أندلسية

قصيدة «في مدخل الحمراء». «نشيد جنائزي» و«القيثارة» و«غزالة الحب اليائس» وغيرها من قصائد لوركا أنشدتها مبارك من خلال مواويل أندلسية، ووفق ارتجالات الموشّحات المغاربية. وقد اعتمدت أيضاً على المقامات العراقية. كذلك، تضمّن العرض نصوصاً تترجم لأول مرة، من بينها «مرثية إغناثيو سانشيز ميخِيّاس». أما التخت الموسيقي، فتكوّن من تونسيين، فيما الإسباني الوحيد الذي رافقها، كان عازف القيثارة مانويل ديلغادو. وقد أعلنت سنية مبارك أنّ الهدف من هذه الأمسية هو توطيد العلاقات بين الشمال والجنوب، وخصوصاً أنّ الحفلة تندرج ضمن الاحتفال بقيادة إسبانيا لدفة الاتحاد الأوروبي مطلع السنة الجارية. وقالت المغنية التونسية، «لوركا هو بكل صراحة عالم رائع بحد ذاته. أنا شخصياً يذكّرني بمنور صمادح والشابي. هو بالنسبة إلى عصره يُعتبر ثورياً، وما يعجبني فيه هو التمازج بين التراجيديا والفرحة في آن واحد.»