المسرحي العراقي المقيم في لبنان يمسرح شِعر محمود درويش في احتفال طقوسي بعنوان «لماذا تركت الحصان وحيداً». ابتداءً من الغد في «مسرح بابل»...
سناء الخوري
يعتني جواد الأسدي بالتفاصيل. لا تحتاج إلى معرفة عميقة بالمسرحي العراقي لملاحظة ذلك. حين يلاقي ممثليه إلى البروفة، يمتعض لأنّهم لم يتّبعوا مراحل التحمية ومراجعة النص كما أملاها عليهم. في «مسرح بابل» يضع اللمسات الأخيرة على «لماذا تركتَ الحصان وحيداً». احتفال شعري ممسرح أراده استعادةً للراحل محمود درويش، وتحيةً إبداعيّةً ـــ ولو متأخرة في بيروت ـــ لشاعر وصديق. أراده قبل كل ذلك قراءةً لعلاقة القصيدة الدرويشيّة الجدليّة بالموت والحياة والألم الفلسطيني المزمن. ابتداءً من الغد، على امتداد أربع أمسيات، سيتلو بسام أبو دياب وعبدو شاهين ونسرين حميدان مقاطع من «الجداريّة» و«لماذا تركت الحصان وحيداً». ومسرحة الشعر في قاموس الأسدي، صياغة جديدة للنص. إنّها حياكة بصريّة متقنة لأطر سينوغرافيّة وأدائيّة تعطي للشعر فضاءً جديداً. يلتقط صاحب «حمام بغدادي» نزف القصيدة الداخلي، نارها، ونبوءة الموت فيها، ويعيد تشكيلها أدائياً من خلال أجساد ترتعش وغناءٍ صارخ في القفار. يحوّل الأسدي فضاء الخشبة

سينوغرافيا وأداء يمنحان القصيدة فضاءً جديداً

إلى مثلث مفتوح، وفي خلفيته طريق يصعد إلى الأعلى كأنه جبل. وسط الأسود الطاغي، تنفتح شبابيك في الزوايا بعنف، ويحمل رجلان تابوتيهما كمُصابَين بحمّى، ويرتميان على «الجبل». لعلّها استعادة غير مباشرة لأسطورة سيزيف. الصوت يعبق بالطقوسيّة: ترانيم وتجويد قرآني بصوت نسرين حميدان الدافئ، وضجة «جارفة وخطيرة» من أعمال الموسيقي البولوني كريستوف بندريتسكي. النص من جهته، مقاطع «ذات طاقة دراميّة هائلة، تحمل العذاب الأبدي للشخصية الفلسطينية المرمية في العراء، وسط قلق وجودي ومكاني وميثولوجي دائم»، يشرح المخرج. النتيجة احتفال يجمع بين كربلائيّة الأسدي، ودرب الجلجلة الفلسطينيّة كما تجلّت في مسيرة درويش. إنه الجحيم عند ذروة القسوة.

8:00 مساء الغد حتّى 7 شباط (فبراير) ـــ «مسرح بابل» (الحمراء) ـــ للاستعلام: 01/744033


مسرح القسوة

يكتب جواد الأسدي (الصورة) نصوصه عادةً، من «المصطبة» (1997) إلى «حمام بغدادي» (2005) العمل الذي صوّر الجحيم العراقي الراهن من خلال معاناة شخصيتين هامشيتين (تمثيل فايز قزق ونضال سيجري). وإذا كان يخوض للمرّة الأولى مسرحة الشعر، فقد نقل إلى الخشبة نصوصاً لسعد الله ونوس: «رأس المملوك جابر» (1984) و«الاغتصاب»، وجان جينيه: «الخادمتان»، وإستيفان أوركيني: «العائلة طوط» (1983)... كذلك استوحى على طريقته نصوصاً لأنطون تشيخوف في «تقاسيم على العنبر» (1993)، ووليم شكسبير في «ماكبث» (1993)، وفيدريكو غارسيا لوركا في «نساء السكسو...فون» (2007). المخرج الحائز جائزة «الأمير كلاوس» الهولندية عام 2004، يشتغل أساساً على تقنيّات مسرح القسوة.


بيروت/ «بابل»

صيف 2006. في المدينة الخارجة من دوامة الحرب الإسرائيليّة، على خطوات من شارع الحمراء، وجد جواد الأسدي ملجأه. بعدما تحطّمت أحلامه العراقيّة في دوّامة العنف. بعد سنوات النفي الطويلة، بين مدن أوروبيّة وعربيّة شتّى، كان يحلم بالعودة إلى بغداد لتأسيس مسرح بابل... وإذا بالحلم ينتقل إلى سينما «مارينيان» المهجورة في بيروت. خلال الأعوام الماضية، صارت أنشطة «بابل» محطة ثابتة على الروزنامة الثقافيّة للعاصمة اللبنانيّة: عروض مسرحيّة، أمسيات رمضانية، ورشات عمل، توّجها لقاء «جان جينيه بعيون عربيّة» الخريف الماضي. وفي هذا الإطار أعاد تقديم مسرحية «الخادمتان» مع كارول عبّود وندى بو فرحات. هكذا استعادت بيروت المسرحي الذي اكتشفته في «الاغتصاب» (1993ـــ ونّوس)، ثم كرّسته مع «خادمتي» جان جينيه (1995).