خليل صويلح سيبقى سقوط تمثال صدّام حسين، في ساحة الفردوس (9 نيسان/ أبريل 2003)، وسط بغداد، مشهداً استثنائياً في تراجيديا العراق المعاصر. يروي صلاح حسن سيرته «قربان التاريخ» (منشورات المنتدى العربي ـــــ هولندا) انطلاقاً من هذا المشهد. ويستعيد الشاعر العراقي تفاصيل 11 عاماً من المنفى في مدوّنة كابوسية مشدودة بين وتري استبداد الطاغية، وممارسات الاحتلال الأميركي.
بسبب وشاية أمنية كتبها شاعر «صديق» عن قصيدته «رماد المسلّة» التي تتضمن إشارات مواربة إلى الطاغية، اضطر صلاح حسن إلى الهروب إلى عمّان (1991، ليعيش مطارداً سنتين، قبل أن يحصل على لجوء إلى هولندا. في عمّان، سيساعده عبد الوهاب البياتي في عيشه المضطرب، كما سيقوم صديقه الشاعر خالد مطلك بتهريب زوجته وأطفاله إلى كردستان، ومن هناك إلى سوريا فعمّان. وسيلتحق بالشعراء المنفيين، الصعلوك جان دمو المخمور دائماً. في لاهاي، سنتعرّف إلى كائن يتعاطى الكحول والأقراص المنوّمة، للتخفيف من وطأة كوابيس ظلت تطارده، خصوصاً بعد إدراج اسمه على قائمة المرتدين والخونة التي أصدرها النظام العراقي لملاحقة معارضيه. هكذا، سيعيش عزلة اضطرارية أوصلته إلى هذيان جنوني، وذكريات عن سجون، وحروب، وقتلى بالمئات. وها هي النسخة الأميركية من الحرب تعيد إنتاج العنف بطريقة مماثلة «على بغداد أن تمحى من الخارطة، وعلى العراقيين أن يخرجوا من التاريخ والجغرافيا. ستتكفل أميركا ببناء بغداد أخرى لا تجيد العربية».

ستتكفل أميركا ببناء بغداد أخرى لا تجيد العربية (ص. ح.)
في فصل «بغداد تحت الذبح»، يستعيد الشاعر المحزون وقائع نهب الآثار والمخطوطات النادرة تحت أنظار جنود الاحتلال، وإحراق 12 مليون وثيقة وأطنان من الكتب النفيسة التي كانت تضمها رفوف المكتبة الوطنية. لكن أي مستقبل بعد الاحتلال؟ يجيب حسن «ينبغي للعراق أن يذهب إلى عيادة الطبيب النفسي»، فالشخصية العراقية التي عاشت انسحاقاً تحت وطأة الاستبداد الطويل، تعيش اليوم ضياعاً وتمزقاً وخوفاً من فقدان هويتها، وهذا ما انعكس على ممارسات النخب الثقافية في حروب طاحنة تحت مسمى «أدب الداخل وأدب الخارج».
هذه السيرة بقدر ما تنطوي على مكابدات شخصية، إلا أنها من مقلب آخر جزء من مدوّنة عامة، تكاد تتشابه في سرديتها مع كتابات أخرى عن الضيم الجماعي الذي عاشه العراقيون، وما زالوا يدفعون «قربان التاريخ» لأباطرة الاستبداد الجدد.