إفلاس «نيشان» ضربة سياسية؟
من «الدستور» و«الشروق» في القاهرة إلى «نيشان» المغربية، يبدو أننا نشهد نهاية مرحلة التسامح الرسمي مع الإعلام المشاكس. هل عدنا إلى زمن الترهيب، والتضييق على كل من يتناول الفساد ويفضح تجاوزات السلطة؟

محمد الخضيري *
لا شكّ في أن الصحافة المستقلة هي حالياً الهدف الأوّل لصنّاع القرار في المغرب. وجّهت السلطة بنادقها إلى هذه الصحف التي يبدو أنها بدأت تضايق المقربين من الملك محمد السادس. هكذا صار طموح هؤلاء القضاء على آخر قلاع حرية الرأي المتمثلة في الصحافة المستقلة، التي تمكّنت خلال سنوات قليلة من صناعة خطّ تحريري مختلف عن الإعلام التقليدي.
في عام 1999، حين تسلّم محمد السادس عرش المغرب، اتخذت البلاد صورة واحة الحرية في العالم العربي. رُوِّجت وقتها صورة مشرقة عن المغرب الذي رأى بعضهم أنه بدأ مرحلة الانتقال الديموقراطي. مثلاً، أصبح طبيعياً أن تنتقد المطبوعات بعض رجال النظام، أو طريقة إدارة شؤون البلاد، لكن طبعاً بقي الجميع بعيداً عن انتقاد «الشخص الملكي المقدس». وقد تمكّنت تجارب مثل «لو جورنال»، و«دومان ماغازين»، و«الأيام»، و«الصحيفة»، و«تيل كيل» من التطرّق إلى مواضيع عُدت طويلاً من المحرّمات في تاريخ المغرب المعاصر.
ورغم «المناوشات» التي كانت تحصل بين الصحافة والسلطة، فإنّ هامشاً من الهدنة ظلّ حاضراً باستمرار. لكن قبل عامَين تغيّرت الصورة، وبدأت الدلائل تشير إلى قرب انتهاء العلاقة الودية بين الإعلاميين والدولة المغربية، فلجأ النظام إلى التضييق على حرية التعبير. وشنّ حرباً على الصحافيين من خلال محاكمتهم، وتشويه سمعتهم، وصولاً إلى إقفال الصحف، وفرض حصار مالي على المنشورات «المشاغبة».
أولى ضحايا هذه الحرب كانت مجلة «لو جورنال» التي سعت منذ انطلاقتها عام 1997 إلى انتهاج خط حداثي ديموقراطي، لكن يبدو أن سياستها لم تعجب النظام، الذي فرض حصاراً مالياً عليها، ثمّ حُجزت حساباتها بحجة أنها لم تدفع مستحقاتها لـ «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، ما دفعها إلى إقفال مكاتبها في مطلع العام الحالي. طبعاً لم يصدّق أحد هذه الحجة، وبدا الجميع مدركاً أن الهدف الرئيس من الحصار هو القضاء على هذه التجربة المستقلة. البطش بالصحافة المستقلة لم يقتصر على هذه المجلة. بل طاول أيضاً صحيفة «أخبار اليوم» التي أغلقت مكاتبها عام 2009، بعد نشرها كاريكاتوراً عُدّ «معادياً للسامية»، و«لا يحترم أحد أعضاء العائلة المالكة»... لكن تردّد وقتها أن السبب الرئيس لإسكات الصحيفة هو مقالة رأي انتقدت القصر الملكي. وسرعان ما عادت الصحيفة إلى الصدور لكن هذه المرة تحت اسم «أخبار اليوم المغربية». هنا أيضاً ضيّقت السلطة على المطبوعة الجديدة، فبدأت برفع الدعاوى القضائية ضدّها. هكذا بقيت أسبوعية «نيشان» وحدها في الميدان. هذه المجلة اختارت منذ صدورها قبل أربع سنوات خطاً تحريرياً مستقلاً ومنفتحاً، فتطرقت إلى مختلف الـ«تابوهات» التي تشغل المجتمع المغربي من الدين إلى الجنس والسياسة. وكما كان متوقعاً بدأت السلطات المغربية حملتها على المجلة. منعتها من الصدور أكثر من مرة، كما قاطعتها إعلانياً من خلال امتناع لوبيات اقتصادية مقربة من القصر عن الإعلان فيها. أمّا الأسوأ، فحصل في صيف 2009، حين أُتلف 100 ألف عدد من المجلة ما كبّدها خسائر فادحة. أما سبب الإتلاف، فهو نشر استفتاء ـــــ صدر في الوقت نفسه في «لو موند»، و«تيل كيل» ـــــ لمناسبة الذكرى العاشرة لتربّع الملك محمد السادس على عرش المغرب. ورغم أن نتيجة الاستفتاء أظهرت أن 96 في المئة من المغربيّين راضون عن حكم ملكهم، فإنّ نشر النتائج عُدّ مسيئاً، لأنه ببساطة تطرّق إلى شخص الملك!
منذ سنة والعاملون في «نيشان» يدركون أن أصواتاً خلف أسوار القصر تريد القضاء على تجربتهم. أصوات تريد إعادة المغرب إلى سنوات التخلف والخوف والصمت. لكنّ جيلاً كاملاً من الصحافيين الشباب كان مصراً على رفض العودة إلى سنوات الرعب والرصاص التي رافقت حكم الملك الحسن الثاني. انطلاقاً من كل ما سبق، حاولت «نيشان» توعية الرأي العام وتنويره على ما يجري في المغرب، ففضحت التجاوزات داخل المؤسسات الرسمية، وفتحت ملفات الفساد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. كل هذه العوامل أدّت إلى تضييق الخناق على الأسبوعية الأكثر مبيعاً في المغرب. تضييق اقتصادي بالدرجة الأولى، فحوصرت إعلانياً، وبدأت مقاطعتها قبل أكثر من سنة. ورغم محاولات الإدارة للخروج من النفق، فإنها فشلت وأعلنت إفلاسها أخيراً.
طيلة المدة التي احتُضرت فيها «نيشان»، انتظر العاملون فيها معجزة... معجزة أن يتحوّل المغرب إلى ديموقراطية حقيقية. لكنّ الأمنية بقيت مجرد أضغاث أحلام، ما دمنا في مغرب ظاهره الحريات، وباطنه الانتصار للقيم البائدة.
* صحافي مغربي


تأميم و... تكميم



القاهرة ــ محمد شعير
دلائل كثيرة تشير إلى أنّ السلطة قررت إسكات كل الأصوات المعارضة. لم يكن إعفاء إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير جريدة «الدستور» أخيراً أولى هذه الخطوات. ثمة ضغوط تمارس على جريدة «الشروق» أيضاً لإيقاف مقالات علاء الأسواني وحمدي قنديل. يوم الثلاثاء الماضي، لم ينشر الروائي المصري مقاله الأسبوعي المعتاد، فيما أكدت مصادر من داخل الجريدة أنّ اتصالات عديدة تلقاها مالك الجريدة إبراهيم المعلم الأسبوع الماضي، بعدما نشر الأسواني مقالاً يتخيل فيه لقاءً بين جمال عبد الناصر والرئيس حسني مبارك. المعلم ورئيس مجلس تحرير الجريدة سلامة أحمد سلامة اجتمعا بالأسواني الأسبوع الماضي وطلبا منه تخفيف حدة مقالاته. وهو ما رفضه صاحب «عمارة يعقوبيان»، الذي طلب في نهاية الاجتماع «إجازة» مفتوحة لأسبوعين. وبعدها، يقرر إن كان سيقبل الكتابة وفق متطلبات «الأمن الجديدة»، أو يعتذر نهائياً عن الاستمرار في «الشروق».
إقالة عيسى كانت متوقعة منذ ضم رجل الأعمال ورئيس حزب «الوفد» السيد البدوي الجريدة المشاغبة إلى إمبراطوريته الإعلامية. وقيل وقتها إنّ شراء الجريدة جرى بضوء أخضر من رجال داخل النظام.
تأميم «الدستور» بداية لموسم تكميم الأفواه الذي يبدو أنّه لن ينتهي. لكن ألعاب الأمن باتت قديمة ومستهلكة، وخصوصاً مع انتشار المدونات والمواقع الاجتماعية التي أسهمت بقوة في الحراك السياسي. ويبدو صعباً تدجينها رغم كل محاولات السلطة. ومن هنا، تبنت هذه المواقع بقوة قضية «إدخال الدستور إلى حظيرة النظام السياسي». وهو ما أسهم في حرق الكثير من أسهم رئيس حزب «الوفد» السيد البدوي، الذي قُدّم كوجه ليبرالي حقيقي. لكن ما حدث في «الدستور» أضعف كثيراً التعاطف الشعبي معه. لذا، بات البدوي يبحث عن مخرج من الأزمة التي وجد نفسه فيها، ولم تكن متوقعة. حتى إنه عقد اجتماعاً مع المحررين المعتصمين طالبهم فيه باختيار رئيس تحرير آخر بديلاً لإبراهيم عيسى لكنهم رفضوا. وطلب مهلة حتى يوم غد السبت للتشاور مع المساهمين معه لإعادة عيسى مرةً أخرى!