القاهرة ـــ محمد عبد الرحمن
إبعاد إبراهيم عيسى المفاجئ عن رئاسة تحرير «الدستور» لم يكن الصدمة التي هزّت الشارع الإعلامي المصري منذ ليل الاثنين. بل إنّ الصدمة جاءت من الأسلوب الذي اتبعه الملّاك الجدد للجريدة التي توصف دوماً بأنها الأشرس في معارضتها للنظام المصري. عندما يقع حدث جلل بلا مقدمات، فإنّ البحث عن النيّات المبيتة هو الحل الوحيد لكشف الأسرار. وما حدث مع إبراهيم عيسى وجريدة «الدستور» ـــــ أبرز الصحف الخاصة في مصر ـــــ لا يمكن أن تكون أسبابه ما تردد على ألسنة الكل. ما كان عيسى ليُقال لو كان السبب حقاً التوزيع غير العادل لمستحقات المحررين التي ضوعفت بنسبة 100% بعدما اشترى رئيس حزب «الوفد» السيد البدوي الجريدة قبل شهرين، ثم تلويح بعض الصحافيين بالاعتصام ضد الإدارة التي اتهمت عيسى بأنه ينقل للمحررين معلومات غير صحيحة، ويحابي فئة معينة من المقرّبين إليه.
كذلك يستحيل أن يقال من منصبه بسبب تصميمه على نشر مقال لمحمد البرادعي عن انتصار أكتوبر، وخصوصاً أنّ من اشترى الجريدة يعرف أنها قريبة من حملة البرادعي بحكم موقفها الحاد من التوريث والحزب الوطني الحاكم. وحتى لو كانت تلك هي الأسباب، فالإقالة لا تحدث بهذه الطريقة.
لم يكن أحد يتخيّل أن يأتي رضا إدوارد شريك السيد البدوي إلى مقر الجريدة فجر الثلاثاء، ليصادر أجهزة الصحيفة ومعداتها ويقول للمحرّرين المعتصمين إنّه قادر على إصدار «الدستور» بـ«صباع رجله».
جريدة بهذه القيمة لا يمكن أن تنتهي بهذه الطريقة، وخصوصاً أن مقال البرادعي نشر لاحقاً على موقعه الخاصّ، والكل أجمع على أنّه لم يكن يحوي ما يسيء إلى النظام. ثم إنّ ملّاك الجريدة هم زعماء حزب «الوفد» الذي يُفترض أنه معارض للنظام نفسه الذي ينتقده البرادعي، فيما احتشد محرّرو الجريدة وتضامنوا مع رئيسهم المخلوع، قبل أن ينتبهوا إلى أن الإقالة حصلت بعد تسجيل عقود شراء الجريدة رسمياً... فهل كان الأمر مبيّتاً منذ البداية، فيما كانت مسرحية التمسك بإبراهيم عيسى ضرورية حتى يُستولى بالكامل على الجريدة؟ لكن لو كانت هذه الفرضية صحيحة، فلماذا انطلق تطوير الجريدة يوم 27 أيلول (سبتمبر) الماضي تحت إدارة عيسى نفسه وزادت صفحاتها إلى عشرين يومياً بعدما كانت 14 صفحة طوال فترة إدارتها من قبل مؤسسها عصام إسماعيل فهمي؟ وهل كان الأخير على علم بما يُخطَّط لإبراهيم عيسى لكنّه لم يحذره؟ وهل فات على عيسى ما يحاك ضده، فوافق على بيع الجريدة ليكون هو أول الضحايا؟
قال رضا إدوارد للمحررّين المعتصمين إنّه قادر على إصدار «الدستور» بـ«صباع رجله»
واللافت أنّ رئيس تحرير «روز اليوسف» عبد الله كمال، ورئيس تحرير موقع «الأزمة» نبيل شرف الدين، نشرا خلال اليومين الماضيين ما يفيد بتضخم الأزمة بين رئيس التحرير المخلوع وأصحاب الجريدة الجدد لأسباب عدة، بينها إصرار عيسى على «محاباة» جماعة الإخوان المسلمين التي يشتري أتباعها الصحيفة يومياً. لكن تلك التوقعات لم تصل إلى أن الأزمة قد تطيح إبراهيم عيسى، علماً بأنّ الإعلامي المخضرم خسر أخيراً إطلالته التلفزيونية على قناة «أون تي في» من خلال برنامج «بلدنا بالمصري»، إذ أصدرت القناة بياناً أكدت فيه أنّه قرر التفرّغ لإدارة الجريدة بعد تطويرها! وسرعان ما انتشرت أخبار عن تعرّض القناة لضغوط أمنية، وخصوصاً أنّ خروج عيسى منها تزامن مع أزمة شبكة قنوات «أوربت» ومدينة الإنتاج الإعلامي التي أدت إلى غياب عمرو أديب عن الشاشة إلى أجل غير مسمّى.
(راجع مقالة الزميل وائل عبد الفتاح في صفحة الرأي).