![](/sites/default/files/old/images/p16_20101125_pic1.jpg)
بغداد ــ حسام السراي
رحيل عبد العزيز الدوري عن 91 عاماً يوم الجمعة الماضي في عمان، يضعنا أمام أكثر من سؤال ملحّ. لعلّ أبرزها يبقى إلى متى يظلّ المفكرون العراقيون بعيدين عن أرضهم الأم حين تدقّ ساعة الرحيل؟ المؤرّخ والمفكر العراقي الكبير، دفن في العاصمة الأردنيّة حيث أقام طويلاً، ليجدّد برحيله هذا، سؤال الراهن العراقيّ المضطرب.
ذلك الطفل الذي ولد في قضاء الدور التابع لمحافظة صلاح الدين (وسط العراق)، وحمل اسم مكان مولده، توجّه مع عائلته إلى بغداد ليكمل دراسته الثانوية. كان يرغب في دراسة الطب، غير أنّ ميوله كانت تأخذه دوماً باتجاه الاقتصاد. لكنّه حاز منحة لدراسة التاريخ في الخارج، فسافر إلى لندن ليتابع تحصيله الأكاديمي في «مدرسة الدراسات الشرقيّة والأفريقيّة» العريقة، وينال الدكتوراه في التاريخ عام 1942. بعد عام، عاد إلى بغداد مدرّساً للتاريخ الإسلاميّ في «دار المعلمين العالية». بعد ترقيته إلى درجة الأستاذيّة، أصبح الدوري عميداً لـ«كلية الآداب والعلوم» التي أسّسها عام 1949. لاحقاً، ترأس دائرة التاريخ في جامعة بغداد، ثمّ عيّن رئيساً لهذه الجامعة في الستينيات العراقيّة المضطربة.
![](/sites/default/files/old/images/p16_20101125_pic1.jpg)
وسط هذه الرمال المتحركة، قرر الدوري الإقامة في العاصمة الأردنيّة، وبقي فيها طوال العقود الخمسة الماضية. هناك، واصل حضوره الأكاديمي، أستاذاً للتاريخ في «الجامعة الأردنيّة»، وكان في السابق قد عمل أستاذاً زائراً في «جامعة لندن» (1955)، و«الجامعة الأميركيّة في بيروت» (1959).
كتابه المرجعي «مقدمة في تاريخ صدر الإسلام» (1950)، وكتاباه «مقدمة في التاريخ الاقتصاديّ العربيّ» (1987)، و«تاريخ العراق الاقتصاديّ في القرن الرابع الهجريّ»(1948)، جاءت تتويجاً للعلاقة بين ولعه بالاقتصاد ودراسته للتاريخ. كما كان أبرز من أرّخوا لنشأة القوميّة العربيّة، في كتب مرجعية منها «الجذور التاريخية للقومية العربية» (1960)، و«التكوين التاريخي للأمة العربية: دراسة في الهوية والوعي» (1984)، (صدرت كتبه بأكملها عن «مركز دراسات الوحدة العربيّة»). «تاريخنا مثقل ومكتوب وفق الأسطرة، لكنّ الدوري خرج عن هذا التقليد، حين أدخل الاقتصاد على التاريخ»، يشرح عالم الاجتماع العراقي متعب مناف، تلميذ الدوري المتأثر بمنهجه. المعرفة، كانت من أبرز هموم الراحل، إلى جانب جمع من المفكرين العراقيين من أبناء جيله، ومنهم عالم الاجتماع والمؤرخ علي الوردي، والناقد جواد علي الطاهر. «أوجد الدوري ثورة تعليميّة، ورفع شعار: العلم للعلم وليس للتعيين والحصول على وظيفة»، يلفت مناف. وحين أسس كلية الآداب والعلوم، واضعاً لها أسساً رصينة، «تدخل حتّى في اختيار الطباشير».
تعامل بحذر مع الثقافة الشعبيّة لأنها «قد تفضي إلى تسييس التاريخ»
المفكر العراقي المتخصص في الفلسفة الإسلامية حسام الألوسي، يتذكر جديّة الدوري في التعاطي مع الجميع، حتّى مع أصدقائه. بعد عودته من إنكلترا حاملاً شهادة الدكتوراه في الفلسفة، ذهب مع خاله جمال الدين الألوسي إلى مكتب الدوري ـــــ كان حينها عميداً لكلية الآداب ـــــ طالباً تعيينه. فأجابه الدوري يومها: «لو كان هناك قسم فلسفة آخر خارج بغداد لما قبلته عندي، لأنّ القانون لا يسمح بمبدأ التعيين في المركز». جملة من الذكريات يستعيدها الألوسي اليوم، وآخرها لقاؤه بالدوري عام 2006 في «مكتبة الإسكندرية». «كان حيويّاً ونشيطاً أكثر مني»، يتذكر الألوسي، مشدداً على أهمية ما أنجزه الدوري في التأريخ للمرحلة العباسيّة من التاريخ الإسلاميّ، خصوصاً على «خلو شخصيته من الأمراض التي طرأت على شعبه للأسف، من نوع المحاصصة والطائفيّة».