التفاحة الواحدة بـ 4 آلاف ليرة، كوب الشاي بـ 8 آلاف ليرة، زجاجة المياه الصغيرة بألفي ليرة، كرواسان حجم صغير بـ 4 آلاف ليرة، كأس الويسكي الإكسترا بـ25 ألف ليرة، كأس النبيذ العادي بـ 12 ألف ليرة، سندويش الجبنة بـ 10 آلاف ليرة.
هذه ليست قائمة الأسعار في فندق خمس نجوم، ولا في أيٍّ من مطاعم لبنان المميزة أو المطلة على البحر والجبل، بل في المقاهي المنتشرة في حرم مطار رفيق الحريري الدولي.
صحيح أنّها أسعار سياحية تنطلق من أنّ المسافر عموماً ميسور مادياً وقادر على أن يدفع ثمن الخدمات التي يحصل عليها من مأكل ومشرب في المطار، لكن المشكلة أنّ الخدمات نفسها لا تستحق هذه الأرقام المرتفعة التي يدفعها من تسمح له نفسه بأن يأكل تفاحة زرعت في الجرد اللبناني، أو خانه جوع مفاجئ لا ينتظر الوجبة التي يحصل عليها على الطائرة، أو احتاج إلى كأس من الويسكي ليتغلب على التوتر الذي يصيبه عند إقلاع الطائرة. فالمسافر ـــــ الزبون يحصل على ما يرغب به في أوانٍ بلاستيكية كما لو كان في كافيتريا الجامعة وفي أحد مطابخ السكن الداخلي للصبيان، حيث يجري تجنب الآلات الحادة منعاً لاستخدامها لأغراض غير سلمية.
ليس في هذا المطار الذي أسهم اللبنانيون من حيث لا يدرون أو يرغبون، بالضرورة، في توسيعه وتحديثه ليتحول من مطار بيروت الدولي إلى مطار رفيق الحريري الدولي ما يبرر الارتفاع الجنوني للأسعار. لا مطاعم بالمعنى الفعلي للكلمة كما هي الحال في عدد من مطارات العالم، بل يقتصر الأمر على مطعم واحد مؤلف من بار يطل على أحد مدارج المطار، حيث يمكن أن تتناول الطعام في صحن زجاجي وتستخدم الشوكة والسكين إذا أردت، ما يرفع الكلفة أضعاف ما هي عليه في ما يشبه المقاهي الموزعة على الأبواب المؤدية إلى الطائرات المغادرة. لا تكمن المشكلة في توافر الخدمات أو انعدامها ولا اعتراض على نوعية الطعام وتنوعه، فلا يتوقع أحد أن يتناول وجبة سوشي فاخرة في المطار، علماً بأن الأموال الطائلة التي صرفت على إعادة تأهيله، والوعود التي قُطعت بشأن الدور الريادي الذي سيؤديه، والطموحات التي بنيت على مستقبله، والتوقعات للارتفاع المطرد لأعداد المسافرين عبره لا ترضى بسقف يحد من آمال المسافرين ويقلص رغباتهم. لكن يبدو أنّ كل الأحلام سقطت وبقيت الأسعار وحدها تُحلق عالياً من دون أي منطق أو مبرر.
الشكوى هنا لله؛ فلا مرجعية محددة للأسعار في المطار نتيجة تداخل الصلاحيات وتعددها، ما يجعل وزير السياحة يضم شكواه إلى شكوى المواطنين. هم يشكون الغلاء، وهو يشكو عدم القدرة على ضبط الأسعار.
قد لا تنتهي المفاجآت التي تنتظر المسافر عند حدود الغلاء الفاحش، بل ثمة ما هو أسوأ، وخصوصاً إذا كان من المسافرين على خطوط طيران الشرق الأوسط. عندها، ستتاح أمامه فرصة اختبار «بوسطة الضيعة»، لكن جواً. رغم أنّ هذه المسألة طارئة على تاريخ هذه الشركة التي امتازت بمواصفات وضعتها في مصافّ أهم شركات الطيران العالمية، لا بد أنّ يهدد تكرارها سمعة الشركة التي، لأسباب غير معروفة، لا يدقق موظفوها في أوزان الحقائب التي يحملها معهم المسافرون إلى الطائرة، كذلك فإنهم يغضون الطرف عن أعدادها لترتفع عندها حمولة الكيلوغرامات السبعة المسموح بها على متن الطائرة إلى عشرة، وربما خمسة عشر كيلوغراماً موزعة على الشكل الآتي: حقيبة الحاسوب، حقيبة تعلق في الكتف يتحجج صاحبها بوضع أوراق شخصية وأشياء أخرى يغمغم الحديث عنها، لكنها تثقل وزنها، إلى حقيبة السبعة كيلوغرامات المسموح بها رسمياً، التي قلما يقتصر وزنها على هذا القدر بحجة «ولو كم كيلو مش بيناتنا»! تمر كل هذه الحقائب الموزعة بين الكتف واليد وخلف ظهر المسافر أمام أعين الموظفين الذين يدققون في جوازات السفر ويتأكدون من صلاحية الحجز وصحته، فتسقط منهم حمولة الحقائب سهواً!؟ ولا تنتهي الحمولة عند هذا الحد؛ إذ إن هناك بعض الإضافات من السوق الحرة التي قد تشمل بضعة كيلوغرامات من المكسرات والحلويات العربية. يرزح المسافر تحت هذه الحمولة التي يرفض أن يتخلى عن أي منها، بحجة أنه لا يحب أن ينتظر حقائبه في المطار.
تصل كل هذه الحمولة إلى داخل الطائرة، وتمتلئ الخزائن المخصصة لها، ولا يزال جزء يسير منها بيد المسافرين لا يجدون لها مكاناً ولا يتخلون عنها لمصلحة الشحن. هذا ليس مشهداً متخيلاً، بل حقيقي من دون زيادة أو نقصان. والأنكى، أنّ إقلاع الطائرة تأخر في إحدى الرحلات بسبب الحقائب التي فاضت عن سعة الخزائن، ما أدى إلى تدخل مسؤول الخدمات على الطائرة يرجو المسافرين عبر مكبر الصوت التعاون بهدف الحؤول دون مزيد من التأخير. لكن ما باليد حيلة، فتحول فريق المضيفين والمضيفات إلى حمالين يعيدون توزيع الحقائب في الخزائن وسط استنكار المسافرين الذين اعترضوا على أن أمتعتهم لم تعد موجودة في الخزائن المخصصة لهم فوق مقاعدهم مباشرة! وفي إطار البحث عن مزيد من الأمكنة، أفرغت الرفوف المخصصة للوسادات ووزعت على المسافرين من دون أن تكون لهم رغبة بها، وسخّر المضيفون خزائنهم الخاصة للخدمة العامة، وفي النهاية لم يوفر أسفل المقاعد لدسّ الحقائب الصغيرة!