السبت الماضي، وجّهت بلدية الضهيرة دعوة إلى أهالي البلدة للتجمع عند السابعة والنصف من صباح الأحد عند مفرق بلدة المنصوري، للانطلاق في موكب جماعي باتجاه البلدة صبيحة العيد. لكنّ كثيرين لم يلتزموا بالدعوة. فمع بزوغ فجر الأحد، توجّهت عشرات السيارات، قبل الموعد، نحو البلدة التي هُجّروا منها جراء الاعتداءات والتمشيط اليومي. عند بوابة مقبرة الجرداح، انتظرت ندى السويد اكتمال الحشد ليسمح الجيش اللبناني للأهالي بالدخول. المقبرة تقع عند المسافة صفر من الجدار الفاصل عن موقع الجرداح الإسرائيلي. هناك، يترك أهل الضهيرة موتاهم «وديعة» في أرضهم التي لا يزال جزء كبير منها محتلاً ضمن بلدة عرب العرامشة الواقعة خلف الجدار. قبل سنوات، كانت المقبرة مساحة تلاق بين أهالي الضهيرة وعرب العرامشة المتحدّرين من نسب واحد قبل أن يفرّقهم الاحتلال عام 1967. خلال العدوان الحالي، صار الوصول إلى المقبرة انتصاراً على المحتل. أمام عمود التجسس في تلة «جرداي» المحتلة، كما يلفظها أهل الضهيرة، وقف عمر أبو ساري رافعاً شارة النصر، قائلاً: «سيلفي والجرداح خلفي». وحده زار البلدة هذا العيد من بين أفراد عائلته بعد أن دمرّت غارة منزلهم المؤلّف من ثلاث طبقات. على بعد أمتار من المقبرة، انتشر الأهالي لتفقد منازلهم في الضهيرة الفوقا التي شهدت دماراً كبيراً. وسط الركام الذي أقفل الأزقة، جلست غضية السويد تنتظر ضيوفها والأغراض التي طلبتها. برغم إصابتها مرات عدة جراء الغارات التي دمّرت حارة آل السويد حيث تسكن، أصرّت السبعينية على البقاء ولو بمفردها. في ثاني أيام العيد، عاود الأهالي زيارة الضهيرة، مستفيدين من الهدنة الصباحية، لكنّ الرصاص المعادي كان في استقبالهم. وقال مختار الضهيرة فادي السويد لـ«الأخبار» إن «جنود العدو في جرداي انزعجوا من تكرار مشهد الزحام، فأطلقوا رصاص أسلحتهم الرشاشة عند تجمعنا في الضهيرة الفوقا لتفقد منازلنا. احتمينا من الرصاص العشوائي لأكثر من نصف ساعة».في طيرحرفا المقابلة، بان حشد الزوار كثيفاً خصوصاً أن لا منازل تحجبهم بعد تدمير غالبية تلك المنازل الواقعة على جانبي الطريق الرئيسية، بعدما حوّل العدو من مواقعه في جل العلام والجرداح وحدب البستان البلدة الصغيرة إلى أرض محروقة. رغم أن كثيرين فقدوا منازلهم وأرزاقهم، لكنهم لم يفوتوا فرصة العيد لزيارة طيرحرفا. مختار البلدة حسان حيدر قال لـ«الأخبار» إن البلدة «اعتادت التدمير الصهيوني منذ عقود».
من بين الدمار، دخل الأهالي إلى الجبين وشيحين. مثلث الجبين – طيرحرفا، صار تجمّعاً لركام المنازل والبضائع المحترقة في المحالّ المستهدفة. في مقبرة الجبين، جلست هنية عقيل بجانب صورة نجلها الشهيد علي عقيل. لم تحظَ قبور الشهداء بشواهد بعد بسبب الظروف الأمنية. الشواهد المؤقتة عبارة عن صور وباقات الورد. تحيّن البعض فرصة الهدنة لتفقد منازلهم وإخراج ما سلم منها.
هدنة العيد أزالت الحظر عن الخط الحدودي الممتد من الضهيرة حتى مروحين ورامية. الطريق المحاذية للشريط الشائك والمكشوفة أمام عدد من المواقع المعادية، لا يسلكها سوى دوريات الجيش واليونيفل. مواكب العائدين إلى يارين والبستان وأم التوت ومروحين، بدّدت السكون في الأودية التي خرقتها الغارات والقذائف الفوسفورية. الدمار الأكبر سُجل في وسط مروحين، خصوصاً في الحارة القديمة المحيطة بالبركة. وبحسب رئيس بلديتها محمد غنام، فإن عدد المنازل المدمرة كلياً بلغ حتى الآن 53 من أصل 214. لكنّ الخسارة الأكبر في تدمير مبنى المدرسة الرسمية وتصدّع أرضية البركة التي تسقي الأراضي والمواشي.