مع توقّع إقرار مجلس النواب اليوم تأجيل انتخابات المجالس البلدية حتى أيار المقبل، تمدّد السلطة السياسية للأزمة التي تعانيها المجالس البلدية شبه المفلسة منذ انفجار الأزمة المالية عام 2019، والتي «رفعت العشرة» عجزاً عن أداء واجباتها منذ التمديد الأول عام 2022. وهي أزمة تشتد وطأتها، وخصوصاً في البلديات المعطّلة، إما لأنها منحلّة بسبب استقالة معظم أعضائها و«فرط» نصابها، أو لأنها استحدثت في الوقت بدل الضائع، أو لأن مرشحيها انسحبوا في يوم الاستحقاق الانتخابي. إذ تعدّ هذه البلديات كأنها لم تكن، مع انسحاب الصلاحيات من يديها وانتقال مهمة تصريف أعمالها إلى القائمقام أو المحافظ. ويبلغ عدد المجالس المعطّلة 158 (122 منحلّة و28 مستحدثة و8 مؤجل انتخابها) من أصل 1064، أي نحو 15% من العدد الإجمالي للمجالس البلدية.
أول تداعيات هذا التوقف القسري للمجلس هو تعطّل الخدمات تماماً مع انتقال تصريف الأعمال إلى جهات «خارجية (القائمقام أو المحافظ) لا تملك الإمكانات المالية اللازمة لحمل هذا العبء، وبهذا تستعيد المدن والقرى التي انتهت مجالسها سيرتها الأولى، عندما لم تكن هناك بلديات في الأصل. وهذه، بحسب المعنيين، معضلة كبيرة، وخصوصاً في المدن التي تعدّ السلطة المحلية فيها ضرورة ملحّة لتأمين احتياجات السكان من خدمات بنى تحتية.
وفي وقت يدور فيه النقاش في المجلس النيابي وفي اللجان، وقبله في مجلس الوزراء، حول التمديد للبلديات القائمة من عدمه، «هناك مشكلة على الأرض يغمض المعنيون أعينهم عنها»، بحسب عضو لجنة الدفاع والداخلية والبلديات النيابية ملحم خلف. وتتعلق هذه المشكلة بالبلديات بالمجمل: منحلّة وقائمة. بالنسبة إلى الأخيرة، فإن الموجود من البلديات لم يعد بإمكانه أن «يجود» مما تملكه في صناديقها مع اختلال التوازن بين نفقاتها التي تدفع بالدولار ووارداتها التي تحصّل بالليرة اللبنانية. ويتوقع أن يزداد الخلل مع إقرار المادة 38 من موازنة عام 2024 التي حدّدت نسبة مضاعفة القيمة التأجيرية التي تستوفى على أساسها الرسوم البلدية، بين عشرين وثلاثين ضعفاً، أي على أساس دولارٍ يُراوح بين 15 ألف ليرة و30 ألفاً، إضافة إلى تخلّف الدولة عن تسديد ما في ذمتها للبلديات من عائدات الصندوق البلدي المستقل.
أما بالنسبة إلى البلديات المنحلّة، فالأزمة أكبر بكثير. إذ إن انتقال مهامها إلى القائمقام والمحافظ يعني أن «ما يمكن القيام به هو الملح جداً، فيما هناك أمور نتجنبها في ظل غياب المجالس الأصيلة»، بحسب محافظ لبنان الشمالي، رمزي نهرا الذي يؤكد، كما محافظون آخرون، أن «العبء ثقيل. صحيح أن الصلاحيات التي نتسلمها كاملة، إلا أن ذلك لا يغيّر شيئاً في ظل غياب الموارد».
لمواجهة كل ذلك، تعمل لجنة الدفاع والداخلية والبلديات النيابية منذ مدة على مقترحات لا تزال مجرّد أفكار «بانتظار طرحها في حال كان جو الهيئة العامة في المجلس النيابي اليوم مهيأً لذلك»، بحسب رئيس اللجنة النائب جهاد الصمد. وإذ يفضّل الصمد ترك الحديث عن هذه المقترحات - الأفكار لمناقشتها في جلسة اليوم، يلفت النائب أمين شري إلى فكرة طرحها النائب علي حسن خليل جرى التوافق عليها مبدئياً أخيراً تتعلق بإمكانية تعديل القانون لإدخال ما يمكن تسميته بـ «العودة عن الاستقالة». وأوضح أنه «في حال تم التوافق على هذا الأمر، سيُعمل على صيغة قانونية تضمن عودة المستقيلين عن استقالاتهم وانتخاب رئيس ونائب رئيس لإعادة تفعيل البلديات المنحلة».
اقتراحات بالسماح بالعودة عن الاستقالة وفرض رسوم على المقيمين غير اللبنانيين


أما في ما يتعلق بتحسين الإيرادات من «خارج الصندوق البلدي المستقل»، فثمة طروحات تتعلّق بـ«ابتكار» بعض الحلول، أو بتعبير أدقّ التفتيش عن ضرائب جديدة. وفي هذا السياق، طرح النائب طوني فرنجية «وضع البلديات رسماً على كل وحدة سكنية في نطاق كل منها كبدل معالجة النفايات ورسماً آخر تتقاضاه البلدية من كل مقيم غير لبناني في نطاقها لكونه يستفيد من الخدمات البلدية فيها»، وإقرار أي من هذه «الابتكارات» يتوقف على مدى دستوريته. وفي هذا السياق، يلفت محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي الذي يضم ضمن نطاقه العدد الأكبر من المجالس البلدية المنحلّة، أن أخطر ما في طرح «العودة عن الاستقالة» أنه، على المدى الطويل، «ضرب للمبادئ القانونية الكبرى ومنطق المؤسسات»، معتبراً أنه لا يمكن تطبيق «المفعول الرجعي» في هكذا حالة، إذ «لا يمكن تبرير عودة شخص بات مواطناً عادياً ولم يعد يحمل صفة عضو سابق وأكثر من ذلك هرب من مسؤولياته»، متسائلاً: «طالما أنه عاد مواطناً، ما الذي يبرّر عودته هو وليس أي مواطن آخر؟ بأي حق نعيده إلى البلدية؟». مع ذلك، لفت مكاوي إلى أنه بالإمكان الاستفادة من القوانين القائمة لتدارك ما هو مقبل بعد التمديد، مع توقّع حلّ بلديات جديدة. وأوضح أنه «في حال حلّ بعض البلديات بعد التمديد المتوقّع، اقترحت صيغة معينة قائمة على أساس الاستفادة من القانون 160/90 الذي طبق سابقاً وينص على أنه لا تحلّ المجالس البلدية إلا إذا فقدت أكثر من 75% من عدد أعضائها». وأكد أنه يمكن أن يستفاد من هذا القانون «لأن كل البلديات المنحلة حالياً لم تصل إلى حدود فقدانها 75% من عدد أعضائها». ما عدا ذلك، لا خيارات أخرى، إلا بالانتخاب.