حازت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على ثقة مجددة للبرلمان بتصريف الأعمال، بموجب التوصية المتخذة في جلسة مجلس النواب (3 تشرين الثاني 2022) التي خصصت لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية حول امتناع رئيس الحكومة المكلّف عن تأليف حكومة وتأكيد حالة تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق للحكومة. تضمنّت هذه التوصية تأكيد المجلس على ضرورة مضي رئيس الحكومة المكلف قدماً للقيام بمهامه كحكومة تصريف أعمال، وفق الأصول الدستورية. لم تحدد التوصية اطار تصريف الأعمال. أي، عملياً، لم يأخذ مجلس النواب ما أبداه رئيس الجمهورية بأن يكون تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق، بل ترك المجلس للحكومة تعيين حدود تصريف الأعمال من خلال عبارة في التوصية تؤكد المرونة في تعيين ذلك: «حرصاً على الإستقرار في مرحلة معقّدة وخطيرة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً تستوجب إعطاء الأولوية لعمل المؤسسات»، أي أن المعيار لحدود تصريف الأعمال هو ضمان أولوية عمل المؤسسات.
من المهم الالتفات إلى تاريخ صدور التوصية بعد شغور موقع رئاسة الجمهورية. إذ أن هذه الواقعة كانت في حسبان مجلس النواب لدى اصدار توصيته، ومع ذلك لم يتردد في اعتماد هذه المرونة، ليس فقط من خلال عدم تقييده حكومة تصريف الأعمال في إطار العمل الضيق، بل أيضاً من خلال السماح لها بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة.
وبالفعل، ترجم مجلس النواب التوصية بقبوله مشاريع قوانين واردة من هذه الحكومة، وقبوله بإصدارها القوانين التي كان قد أقرّها، وهي موضوعات تدخل ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية.ومع ذلك لم تثر مسألة صلاحية حكومة تصريف الأعمال في إصدار مراسيم بإحالة مشاريع قوانين إلى مجلس النواب، ولا أثيرت مسألة اصدار قوانين أقرّها مجلس النواب مع كونها من صلاحيات رئيس الجمهورية.
بالعودة إلى نص الدستور، نجد أن لرئيس الجمهورية ثلاث صلاحيات في إطار العمل التشريعي. فقد نصّت المادة 51 على: «يصدر رئيس الجمهورية القوانين وفق المهل المحددة في الدستور بعد أن يكون وافق عليها المجلس، ويطلب نشرها...»، ونصّت الفقرة السادسة من المادة 53 على أن «يحيل رئيس الجمهورية مشاريع القوانين التي ترفع إليه من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب». أما الصلاحية الثالثة المعلّق استخدامها على اطلاع مجلس الوزراء، فقد نصّت عليها المادة 57: «لرئيس الجمهورية، بعد إطلاع مجلس الوزراء، حق طلب اعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لاصداره، ولا يجوز أن يرفض طلبه».
وبالمقارنة، نجد أن الصلاحيات الثلاث تمارس بموجب مرسوم، فلماذا تكون ممارسة صلاحيتين فقط متوافقة مع مبدأ تصريف الأعمال، بينما لا تتوافق صلاحية ردّ القانون معها؟ هو موقفٌ مستهجنٌ وليس له أساس فقهي صحيح، فإما أن تكون العلاقة مع مجلس النواب المتصلة بأعمال التشريع بكاملها خارج نطاق تصريف الأعمال، أو أن تكون منضوية ضمنها. أما التجزئة فغير مبررة.
يضاف إلى ذلك أن المادة 62 من الدستور تتحدث عن ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، من دون تمييز بين أنواع الصلاحيات - طبعاً كل ذلك بمعزلٍ عن الدخول في المدة الزمنية المفترضة دستوراً عند تطبيق هذه المادة. لذا، فإن من تحدّث عن صلاحيات لصيقة بشخص الرئيس لم يضع معياراً مقنعاً وجاداً حول ما يعتبر لصيقاً بشخص الرئيس وما ليس بلصيق، علماً أن هذا التقسيم لا أساس له. ففي علم الدستور ونظام المؤسسات، لا توجد صلاحيات شخصية، والشخصانية مرتبطة بأنظمة الاستبداد ولا علاقة لها بأنظمة الحكومات الحديثة.
من دون الدخول في شرحٍ نظري، فإن المعيار المعتمد حالياً لبيان الأعمال التي يجوز لحكومة تصريف الأعمال ممارستها وكالةً عن رئيس الجمهورية هو معيار «إعطاء الأولوية لعمل المؤسسات». وهنا، فإن مجلس النواب الذي تعمل هذه الحكومة بناءً لتوصيته، يعود له تقدير الموقف من هذا الاعتراض، مع التذكير بأن هذا المجلس، وفق المادة 69 من الدستور، في حالة اجتماع حكمي حتى تشكيل حكومة جديدة ونيلها الثقة.
* أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية.