فتاة لم يتجاوز عمرها 17 عاماً، وشقيقها (لجهة والدتها) عمره 21 عاماً، متهمان بالتشارك في جرائم قتل سبعة سوريين ولبناني في بلدة عرسال. استغلا في تنفيذ جرائمهما حالة الفوضى والإعدامات المتكررة التي نفذتها «جبهة النصرة» والمجموعات المسلحة الأخرى. اختارا تلال البلدة وبساتينها مسرحاً لجرائمهم، وأمعنوا في استدراج الضحايا، تارة «بإغراءات جنسية»، وتارة أخرى «بحجّة شراء أو بيع أسلحة»، ومن ثم الإقدام على القتل ببرودة أعصاب، إما بسكين، وإما بأسلحة حربية.
أما الدافع إلى كل تلك الجرائم، فلم يكن سوى «السرقة»، وحيازة ما يملك ضحاياهم من مبالغ مالية وسيارات ودراجات نارية، وحتى أسلحة، تباع جميعها لـ«أشخاص من جبهة النصرة»، كما تشير المصادر الأمنية.
المشتبه فيهما يقطنان «مخيم الإنماء» في بلدة عرسال، والبداية كانت بتاريخ 1/4/2014 حين عثر على جثة نازح سوري كُدّست الحجارة فوقها في إحدى التلال المطلة على مخيم الشهداء في عرسال. الطبيب الشرعي والأدلة الجنائية تمكنا من الكشف على الجثة ليتبين أنها «تعرضت للذبح»، وأن الوفاة حصلت قبل يومين من تاريخ العثور على الجثة. لم تكد تمضي ساعات حتى عُثر على جثة واحد من أبناء عرسال بتاريخ 2/4/2014 داخل سيارته على طريق «الجمّالة» في عرسال. الأدلة الجنائية والطبيب الشرعي أكدا في تقاريرهما أن سبب الوفاة يعود إلى إطلاق ثلاث رصاصات من سلاح كلاشنيكوف على رأس الضحية، كما تؤكد المصادر الأمنية.

اعترفت جميلة
بإقدامها وشقيقها على التخطيط لقتل أشخاص بدافع السرقة

بعد ذلك توالى العثور على ستّ جثث أخرى في عرسال، الأمر الذي دفع مفرزة بعلبك القضائية إلى تكثيف عملية الرصد والمتابعة، وبعد أيام قليلة على انتهاء الاشتباكات بين الجيش اللبناني والمجموعات المسلحة من «داعش» و«جبهة النصرة»، تمكّنت من توقيف الفتاة جميلة م. (17 عاماً) من القصير السورية، وابن شقيقتها السوري جاسم ع. (14 عاماً).
المصادر الأمنية أوضحت أن جميلة اعترفت بإقدامها وشقيقها سامي د. على «التخطيط لقتل أشخاص بدافع سرقة أموالهم وما في حوزتهم من هواتف ودراجات نارية وسيارات وأسلحة»، كاشفة أنها كانت «تستدرج الضحايا بإغوائهم بممارسة الجنس معها في التلال والبساتين في محلة «وادي الأرنبة»، وطريق «الجمالة»، وبالاتفاق مع شقيقها على المكان المقصود الذهاب إليه. وكشفت التحقيقات الأمنية أن جميلة كانت وشقيقها سامي يراقبان الضحايا، ويركزان على من يملك منهم مالاً وسيارات، على أن يتولى شقيقها إخفاء الجثث بطرق مختلفة.
الجريمة الأولى التي اعترفت جميلة بها، كانت قتل محمد خالد (سوري)، نهاية شهر آذار الماضي، عندما عرضت عليه «ممارسة الجنس معه»، وتوجهت معه بسيارته إلى أحد البساتين، حيث كان شقيقها سامي في الانتظار، فأقدم على قتله بسكين ومن ثم تكديس الحجارة فوق جثته، فيما تولت سرقة «رزمة المصاري» التي كانت بحوزته في السيارة. الجريمة الثانية كانت جريمة قتل سليمان الحجيري (لبناني)، الذي أشارت إلى أنها «تكلمت معه هاتفياً»، وأخبرته أن شقيقها يريد أن «يشتري منه سلاحاً من نوع كلاشنيكوف»، وقد حددت له المكان عند طريق «الجمّالة». وبالفعل، توجهت جميلة إلى المكان المحدد مع الحجيري، يرافقهما كل من جاسم ع. وعمار ح. (17 عاماً) اللذين طلبت حضورهما، ولدى وصولهم إلى المكان المحدد، ترجّلت جميلة من السيارة بذريعة أنهم يريدون استدعاء شقيقها، وسرعان ما اقترب سامي من خلف سيارة الحجيري وباغته بإطلاق ثلاث رصاصات من سلاح كلاشنيكوف على رأسه فأرداه على الفور. وتشير التحقيقات الأمنية إلى أن جميلة أكدت أنها عادت ودخلت السيارة وسحبت سلاح الحجيري وجعبته العسكرية، فيما عمل سامي على «محو الاتصالات الهاتفية من هاتفَي الحجيري، موضحة أنهما لم يقدما على سرقة هاتفيه وسيارته «لأنه لبناني وممكن أهله يتعرفوا بسرعة إليها».
المصادر الأمنية أوضحت لـ«الأخبار» أن الفتى جاسم اقتصر دوره على «الحضور ومشاهدة تنفيذ الجريمتين»، بحسب اعترافاته، فيما كان دور عمار ح. «تسهيل الانتقال إلى مكان الجرائم، والعمل على نقل المسروقات».
ستّ جرائم تلت جريمتي قتل خالد وسليمان، بحسب اعترافات جميلة، وآخر جريمة نفذتها وشقيقها سامي كانت منذ قرابة «شهر ونصف». وقد أشارت مصادر أمنية إلى أنه يجري حالياً العمل على التحقق من هوية الضحايا الستّ الباقين الذين نظمت محاضر بالعثور على جثثهم في فترات سابقة، وفي الأماكن التي حددتها جميلة باعترافاتها. وتعزو المصادر الأمنية عدم التعرف إلى الجثث إلى أنّ بعضها «كان مقطّعاً»، ولا يمكن إجراء فحوصات الحمض النووي عليها، «لعدم العثور على أهاليهم»، فضلاً عن «الوضع الأمني المتوتر غالباً في عرسال، الذي لا يسمح دائماً للأدلة الجنائية والطبيب الشرعي بالوصول إلى مكان العثور على الجثث». ومن الأسباب أيضاً أن بعض أبناء بلدة عرسال من أصحاب البساتين والأراضي الزراعية يعثرون على جثث، لكنهم يخافون من المجموعات المسلحة (أن يكون القتيل أحد مسلحيها)، ويتحاشون الدخول مع القوى الأمنية «في سين وجيم التحقيقات لكونهم وجدوا الجثة في أرضهم».
مفرزة بعلبك القضائية تمكنت من توقيف جميلة وابن شقيقتها جاسم، فيما توارى كل من شقيقها سامي، والمدعو عمار ح.، حيث سطّر بحقهما بلاغي بحث وتحرٍّ، وترجح المصادر الأمنية أنهما «فرّا مع مسلحي جبهة النصرة، بعد انتهاء الاشتباكات الأخيرة مع الجيش اللبناني».
تؤكد المصادر الأمنية أن اعترافات جميلة أكدت أن كل السيارات والدراجات النارية، كانوا يبيعونها لأحد مسلحي «جبهة النصرة» يدعى أحمد ا.، فيما تباع الأسلحة لـ«أبو علي مشهداني»، وهو أيضاً من مسلحي «جبهة النصرة».
الموقوفان جميلة م. وجاسم ع. أحيلا يوم السبت الفائت على النيابة العامة الاستئنافية في البقاع، بناءً على إشارة النائب العام الاستئنافي فريد كلاس.