هؤلاء هم نوّاب الأمة. اجتمعوا بعد طول غياب تشريعي. جاؤوا إلى مجلسهم لممارسة المهمة التي يتقاضون، من جيوب المواطنين، رواتبهم لقاءها. حللوا وفحصوا ومحّصوا و«فصفصوا» وناقشوا الكثير من اقتراحات ومشاريع القوانين، أمس، ومنها قانون الإيجارات. طبعاً لا داعي لذكر أن ما من أحد منهم يسكن بالإيجار. كلّهم «ملاك».
حتى النائب سمير الجسر، عندما طلب الكلام للتعليق على المشروع، بدأ بعبارة: «أنا كنت مستأجِراً...». النواب دائماً «يكونون» في السابق ثم «يُصبحون». عندما تكون حاضراً بينهم، في جلسة تشريعية خارج السياسة اليومية، أقله في الشكل طبعاً، وتراقبهم عن قرب، تدرك سريعاً أنك ترى «خفّة» غير لطيفة إطلاقاً. صحيح أن بعضهم، في اللجان النيابية، وفي اللجان الفرعية المنبثقة منها، أشبعوا القوانين المحالة نقاشاً. مهمة لا ينكر أحد أنها مرهقة. لكن، ماذا تعني نحو 80 جلسة نقاش، ثم يصل بعدها مشروع القانون إلى لحظة الحسم في الهيئة العامة، في موضوع الإيجارات مثلاً، فيما كثير من النواب لا يعون خطر الخطأ، ولو البسيط، في موضوع يمسح «الأمن الاجتماعي» للمواطنين. مسألة ترقى إلى حد الأمن القومي الاجتماعي، إن جاز التعبير، في ظل حديث عن موجة «تشرّد» أو ربما «إخلاء مناطق معينة من طبقة معينة... باسم القانون». كلهم اعترفوا بأن «الدولة» هي المسؤولة عن الظلم اللاحق بالمستأجرين القدامى وبالمالكين، على حد سواء، بسبب عدم تطوير القانون لأكثر من عقدين من الزمن، وبالتالي ها نحن أمام قانون ينص على «إنشاء صندوق يسدّ حاجة المواطنين، باسم الإيجارات، يموّل من خزينة الدولة».
نواب يغلب عليهم
النعاس وآخرون يلهون بهواتفهم الذكية
إذاً، الحق على الدولة، عند هؤلاء النواب، وكأن الدولة شيء منفصل عنهم، بما يمثلونه من قوى سياسية مختلفة! قلّة من النواب اعترضوا، أو بالأحرى طلبوا إحالة مشروع القانون على وزارتي الشؤون الاجتماعية والداخلية، للاستفادة من رأيهما وما يمكن أن تخرجا به من أرقام وإحصاءات ودراسات. نواف الموسوي من هؤلاء: «ليس واضحاً عندنا ما هو الأثر على الاستقرار الاجتماعي إن أقر مشروع القانون هذا... حكي عن 180 ألف عائلة مستأجرة، في بيروت الكبرى تحديداً، السؤال هل سيؤدي هذا القانون إلى تفريغ المنطقة من طبقة معينة، مقابل فسح المجال لإسكان طبقة أخرى، وربما من جنسيات مختلفة، نظراً إلى ما نراه حولنا في المنطقة؟». سانده النائب وليد سكرية في الرأي. لن يكون بمقدور أكثر المستأجرين تسديد قيمة الإيجار، بعد سنوات، وبالتالي «لم ترتفع مداخيل المواطنين بما يتناسب مع بدلات الإيجار التي يثبتها القانون، وقد نكون أمام أزمة اجتماعية ضخمة، في ظل عائلات كثيرة غير قادرة على الاقتراض لعدم قدرتها على التسديد، في مقابل إيجار هو عبارة عن 5 في المئة من أصل سعر الشقة، وهذا كثير، بحسب نص القانون الذي أمامنا». كل هذه اللحظات مرّت كأنها لم تكن. بدت الأطراف السياسية الأخرى مستعجلة لإقرار القانون، حتى نواب التيار الوطني الحر، ما أفرز أكثرية ضغطت بثقلها، رفضت حتى طرح إحالة المشروع على وزارة المال لبحث تمويل الصندوق المرتقب. صُدّق المشروع بمادة وحيدة وانتهى الأمر بتصفيق الأكثرية.
قبل ذلك كانت قضية مياومي شركة كهرباء لبنان قد أثيرت، على وقع اعتصام هؤلاء خارج مجلس النواب، تخللته مواجهات مع القوى الأمنية، دفعت رئيس المجلس نبيه بري إلى القول: «نحن لا نُشرّع تحت الضغط». المياومون لا يريد أن يُقر النص المطروح على التصويت، بل يريدون النص القديم، الذي جُمد قبل نحو سنة ونصف. دخل النواب في نقاش حول «جنس ملائكة» هذا القانون، إن كان بالإمكان إمراره، دون إلغاء القديم المطروح قبله، أو يكون ممكناً دمجهما. تدخّل النائب جورج عدوان، ودعا للجنة يكون عضواً فيها، مع النواب إبراهيم كنعان وعلي عمار وعلي بزي، وسواهم، لبحث الموضوع مع مهلة حتى الغد. وافق بري على الأمر. المياومون في الخارج بقوا على غضبهم، وعدوا بمزيد من الاعتصام، اليوم ولاحقاً إن احتاج الأمر. اختلف في تفاصيل كان يتوقع أن تكون منتهية، وهي أصلاً «تافهة» إذا ما قورنت بلقمة عيش المياومين وعائلاتهم، ومرّة أخرى تظهر «الخفّة» النيابية في أبرز صورها. نواب يغلب عليهم النعاس، آخرون يلهون بهواتفهم الذكية، يمازحون بعضهم بعضاً، وثلة منهم «تفرط» من الضحك بعد ورود عبارة «عضو». تغامز «سكسي» يدور بينهم، رغم أن الحديث هو عن عضو في المجلس، وفي نهاية الأمر كلهم «أعضاء».
ممثلتا جمعية «كفى» ترمقان النواب من الأعلى. انتظروا طويلاً قبل أن يصل الدور إلى البند التاسع. إنه مشروع قانون «حماية النساء من العنف الأسري». غادرت المحامية ليلى عواضة (كفى) الجلسة، غاضبة، بعد إقرار المشروع كما أحالته اللجان المختصة، لا كما كان قبل ذلك، وهي تقول: «هذه قرارات ديكتاتورية». بوجه متجهم غادرت ومعها مديرة الجمعية زويا روحانا. كانتا تريدان أن يكون القانون للنساء حصراً، لا أن يشمل الأسرة، وأيضاً أن يثبت «جرم الاغتصاب الزوجي». هذا ما لم يحصل. صدّق القانون، وستريدا جعجع وجيلبرت زوين تلتزمان الصمت، وكذلك وزيرة المهجرين أليس شبطيني، التي ارتأت أن تأخذ الكلام في قضية أخرى «غير نسائية». النائب حكمت ديب كان «خائفاً» من زوجته، ولهذا تمنى أن يقر المشروع بمادة وحيدة، حتى «يتسنى لي العودة إلى البيت بأمان خوفاً من زوجتي وابنتي وأختي». النائب عمّار استحضر الأحاديث النبوية، لتأكيد وقوفه مع القانون، فـ«المرأة ريحانة وليست قهرمانة». وأضاف: «الله يشهد أن جميع الأعضاء كانوا متضامنين مع هذا المشروع، وقد تعرضت لجنتنا لعنف، فيه من الإساءة حيث وضعت صورنا على وسائل النقل وكأننا مجرمون». رفعت الجلسة الصباحية قبل انتهاء وقتها، بسبب الصوم المسيحي، وذلك بناءً على طلب النائب سامي الجميّل. وافق بري على طلب النائب، ممازحاً: «حسناً، وإن كنت أعلم أنك غير صائم يا شيخ سامي»، ثم استكملت الجلسة مساءً بالخفّة نفسها. النواب بعد الإفطار هم كما قبله: لم يسمعوا بالصراع الاجتماعي.

يمكنكم متابعة محمد نزال عبر تويتر | @Nazzal_Mohammad




كميّة وملكية وذكورية

بحث النائب نديم الجميّل عن مناسبة ليطلب الكلام فيها، فاختار مشروع قانون الإيجارات، فوقف وقال: «إن كمية المستأجرين...»، فقاطعه بعض زملائه وصححوا له: «قل عدد المستأجرين لا كميتهم». ما عاد من داعٍ لمتابعة ما أضافه نائب الأمة. النائب أسطفان الدويهي يحفظ عن ظهر قلب المادة 15 من الدستور التي تتحدث عن «حق الملكية». لم يجد ما يتحدث عنه سوى «الملكية المقدسة، وللأسف هلق ما عاد فيني ورّث ابني، لازم إعادة الملكية لأصحابها». النائب علي عمار مازح الحاضرين في الجلسة، كلّهم من الذكور، بالمعنى الثقافي، قائلاً: «نطالب النساء بأن يضعن مشروعاً يمنع التعنيف ضد الرجال».