الصرف الجماعيّ التعسّفي في الجامعة الأميركيّة في بيروت، الأسبوع الماضي، لم يكُن ابن ساعته. إذ أن الإدارة اختارت، منذ مطلع حزيران الماضي، مديراً جديداً للمستشفى مهمّته الأساسية إدارة عمليّة الصرف، و«جالت على المرجعيات السياسية قبيل إقدامها على الخطوة لجمع التأييد ومحاولة فرض معادلتها: إمّا الإقفال التام أو الحصول على الحماية والمناعة القضائيّة لعدم صدور أيّ أحكام ضدّها». هذا ما يجري التداول به في أوساط المحامين وغيرهم من المعنيّين بالملف. ويلفت هؤلاء إلى أنه «قبل أسابيع من مجزرة الصرف بحقّ الموظّفين المثبّتين، جدّدت الإدارة عقود العمل السنويّة لعدد من عمالها الموقتين، ما يطرح تساؤلات حيال وجود أزمة ماليّة».القضيّة التي شملت مئات المصروفين من الفئات الأضعف والأقل دخلاً في المستشفى، تحوّلت إلى قضيّة رأي عام، يتحضّر محامون متطوّعون واتحادات نقابيّة لخوضها في وجه الجامعة؛ واضعين خطوات للتصعيد التدريجي تبدأ باعتصام ينفّذه المصروفون، اليوم، أمام المركز الطبي.
وقد بدأ المحامون بجمع ملفات المصروفين وباشروا درس عقد العمل الجماعي الموقّع بين رئاسة الجامعة ونقابة عمال ومستخدمي الجامعة والذي يُجدّد كل عامين، ويُلزم في حالات الصرف موافقة الطرفين، وقد وُقعت نسخته الأخيرة عام 2016، لكنه، قانوناً، يبقى ساري المفعول إلى حين إبرام العقد الجديد، لا سيّما أن الهيئة المولجة بالوساطة والتحكيم في أيّ عقد عمل جماعي يفترض أن تكون مؤلّفة من أكثر من شخص، وفي حالة «الأميركيّة» سيبحث المحامون في إمكانيّة الطعن بهذا التحكيم في ما لو «كان المحكّم شخصاً منفرداً»، كما جرى التداول. وفي حين يُسأل عن دور النقابة في عمليّة الصرف الأخيرة ومحاولة إخضاعها من إدارة الجامعة، يتحضّر المحامون للحصول على تفويضات جميع المصروفين وتوكيل نقابة المحامين، لرفع «دعوى جماعيّة» أمام وزارة العمل ومراجعة مجلس العمل التحكيمي خلال شهر من تاريخ الصرف.
خوض هذه المعركة لا يهدف إلى حماية المصروفين واسترجاع حقوقهم وحسب، وفق متابعي الملف، بل منعاً لتحوّل ما قامت به إدارة «الأميركيّة» إلى نهج تتبعه المؤسسات الخاصة لتحميل الخسائر للفئات الأضعف، بذريعة «القوّة القاهرة والظروف الاقتصاديّة» التي نصّت عليها الفقرة «و» من المادة 50 من قانون العمل. علماً أن نصّ المادة يتيح لصاحب العمل إنهاء عقود العمل في حال «تقليص حجم المؤسسة أو استبدال نظام إنتاج بآخر أو التوقّف نهائياً عن العمل»، وهو ما لا ينطبق على حالة المستشفى. في حين أنّ الشرط الأساسي لهذا الإنهاء هو «أن يقوم صاحب العمل بإبلاغ وزارة العمل قبل شهر من تنفيذه، والتشاور معها لوضع برنامج نهائي لإنهاء العقود تراعى معه أقدمية العمال واختصاصهم وأعمارهم ووضعهم العائلي والاجتماعي، والوسائل اللازمة لإعادة استخدامهم». ويسأل المحامي شريف سليمان، أحد المحامين المتطوّعين في هذه القضيّة، عن «تقرير التدقيق المالي الذي يُفترض بالإدارة إبرازه لوزارة العمل لتأكيد أنها في حالة تعثّر مالي، إذ لم نحصل على أيّ معطى يبيّن حجم الخسارة الماليّة المزعومة في حين أن غرف المستشفى مفوّلة! ودولرة أقساط الجامعة موضوع مطروح». إضافة إلى أن «تراخي» وزارة العمل في دورها باعتبارها وسيطاً بين الطرفَين، يحتّم عليها فرض شروط التفاوض والتشدّد في هذا الظرف بشأن العجز المالي الذي تدّعيه المؤسسات وإلزامها بتقديم تقارير مفصّلة عنه.
ذريعة «القوّة القاهرة والظروف الاقتصاديّة» لإنهاء عقود العمل لا تنطبق على حالة المستشفى


ورغم محاولات إدارة «الأميركيّة» لجم التحرّكات، فإنّ الخطوط الأماميّة للمواجهة لا بدّ أن يشغلها العمّال المصروفون، المغلوب على أمرهم والمهدّدون بخسارة تعويضاتهم (وعدتهم الإدارة بدفعها في 4 آب). وبعد اعتصامهم الاثنين الماضي، يستعدّ المصروفون لتنفيذ اعتصام ثانٍ، الحادية عشرة قبل ظهر اليوم، أمام مدخل المركز الطبي. يأتي الاعتصام إثر اجتماع عُقد أول من أمس، بمبادرة من الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، وفي مقرّه، حضره المصروفون ومحامون متطوّعون ونتج منه تشكيل «لجنة المتابعة لعمال وموظّفي الجامعة». الاتحاد واللجنة دعَوَا إلى الاعتصام الاحتجاجي، «دفاعاً عن حق العمل ورفضاً لسياسات الصرف التعسفيّ»، ووفقاً لرئيس الاتحاد كاسترو عبدلله فإنّ «الوجهة هي التصعيد التدريجي نحو المواجهة».