الاستجابة النفسية لتداعيات فيروس «كورونا» على القدر نفسه من الأهمية للاستجابة الصحية الهادفة إلى الحدّ من تفشّي الفيروس وانتشاره. فالصحة النفسية جزء لا يتجزّأ من الصحة العامة. ولئن كانت الأولوية الآن هي الحفاظ على صحة الناس، إلا أن ثمّة جانباً لا يقلّ أهمية يتمثّل في الصحة العقلية والنفسية. وبسبب هذا الترابط بين «الصحتين»، كان البرنامج الوطني للصحة النفسية الذي وضعته وزارة الصحة، باعتباره «جزءاً أساسياً من الخطة الوطنية للاستجابة لفيروس كورونا المستجد»، بالتعاون مع منظمتَي الصحة العالمية و«يونيسيف». بحسب منسّقة سياسات الصحة النفسية في البرنامج، نور كيك، تنطوي الخطة على أهداف عدة تتمثّل في تعزيز الصحة النفسية والتخفيف من الضغوطات المرتبطة بالفيروس وضمان الوصول إلى المعلومات الموثوقة. ويندرج ضمن الهدف الأخير الخطّ الساخن 1564 للدعم النفسي والوقاية من الانتحار، بالتعاون مع جمعية إمبرايس (Embrace)، والذي يهدف إلى تقديم «المساعدة النفسية» إلى المحجورين صحياً في المستشفى أو في المنزل وإلى أسرهم، وأيضاً إلى العاملين الصحيين. منذ وُضع الخط في الخدمة قبل نحو ثلاثة أسابيع، وصل عدد الاتصالات إلى نحو 500، وهو رقم يزيد بمعدل 150 اتصالاً عن الفترة نفسها قبل الـ«كورونا». مع ذلك، تُعتبر هذه «زيادة طبيعية في ظل ظروف غير طبيعية يمرّ بها المجتمع»، تقول ميا عطوي، المعالجة النفسية وإحدى المؤسسات لـ«امبرايس». مع ذلك، تعتبر عطوي أن ثمة قدرة «للفرد على التأقلم مع التغيّرات التي نعيشها بسبب أزمة كورونا أو الأزمة الاقتصادية، والأمر يعتمد بشكل كبير على البيئة التي يعيش فيها الفرد». ولذلك، تختلف الاستجابة من شخص إلى آخر. على أن التأثير الأكبر يظهر «على من كانت ظروفهم أكثر هشاشة قبل كورونا. ومن كانوا يختبرون صعوبات ومشاكل نفسية، إضافة إلى من يعانون الوحدة بغير اختيارهم ومن لديهم استعداد جيني وبيولوجي وبيئي، وكبار السن، ومقدّمي الرعاية الصحية لما يتعرضون له من ضغط، إضافة الى النساء والأطفال الذين يعيشون في وسط مضطرب وعنيف». رغم ذلك، تشدّد عطوي على عدم الاستعجال في تصنيف ردات الفعل باعتبارها مرضية، «فكثير من ردات الفعل طبيعية نتيجة الوضع ولا تندرج ضمن الخانة المرضية». من هنا، «ضرورة التمييز بين المرض النفسي وبين الضغط والتعب النفسي والذهني - وهي مشاعر طبيعية - نتيجة اضطرارنا اليومي للتعامل مع الضغوطات الحياتية». لكن، الخوف هو أن تستحيل تلك المشاعر الطبيعية أزمة نفسية، إذ أن هناك «دراسات في الغرب تتحدث عن خطر ارتفاع العوارض النفسية وحتى نسب الانتحار في الأشهر المقبلة». ويبدو أن المسار في لبنان غير مطمئن لهذه الناحية باعتبار أن «لا صحة نفسية من دون وجود أدنى مقوّمات الحياة وعدالة اجتماعية وطبابة وتعليم وسكن». والافتقار إلى هذه المقوّمات يزيد من الصعوبات والمشاكل النفسية، وقد تزيد معه حالات الانتحار. وهنا، يبرز الضغط الجماعي الذي يعيشه اللبنانيون عموماً «وهو يمثل ردة فعل طبيعية على خسارتنا الشعور بالأمن والأمان والانتماء إلى وطننا نتيجة سياسات السلطة التي تضطهدنا وتحرمنا حقوقنا الأساسية. وهذا علاجه يكون جماعياً مبنياً في هذه المرحلة على التكافل والتضامن الاجتماعي وتكامل الأدوار».
دراسات علمية تحذّر من خطر ارتفاع نسب الانتحار في الأشهر المقبلة

أما على الصعيد الفردي، فيعاني الإنسان في هذه الظروف، بحسب عطوي، القلق من المجهول، «وعادة لا يتعامل معه بطريقة جيدة نتيجة التربية في المجتمع الحديث المبنية على محاربة القلق النفسي من خلال الحركة الزائدة والهوس بالإنتاجية والشعور بوجوب الانشغال دائماً واستخدام الإنتاجية لنزيد ثقتنا في أنفسنا». وتضيف: «وضعتنا أزمة كورونا وجهاً لوجه مع أنفسنا ومع الموت وهذان أمران نهرب منهما ومن أسئلتهما دائماً». لذلك، «من المهم أن يجلس كلّ منا إلى ذاته ويفكر كيف يتعامل مع المجهول، ويفكر أن لا ثابت في هذه الحياة سوى التغيير الذي يحصل دائماً، ويتقبّل حقيقة أن هناك أشياء يجب أن يعيشها كما هي من غير أن يكون قادراً على التحكّم بكل ما له علاقة بمستقبله». وعملياً، ثمة طرق للتعامل مع المجهول يوصي بها كثير من الاختصاصيين النفسيين كخلق روتين للحياة بدائي يلبي متطلبات الإنسان الأساسية من النوم والأكل والدعم النفسي والمعنوي الذي يتلقّاه من الناس المهمّين في حياته. ومن جهة أخرى، يتعيّن أيضاً الالتفات إلى «أن لكل فرد طريقة مختلفة للتأقلم مع الظروف العصيبة وخصوصاً المحجورين في المنزل نفسه، فالبعض يريحهم التواصل مع الآخرين، فيما آخرون يحتاجون إلى أن يكونوا وحدهم لفترة معيّنة». من هنا «ضرورة احترام حاجات الآخر ومشاعره». والنصيحة الأخيرة: الحدّ من متابعة الأخبار لأنها تزيد من حدّة القلق والتوتر.