أول من أمس، وجّه الطلاب اللبنانيون العالقون في جحيم إيطاليا رسالة جديدة إلى الدولة اللبنانية. قبلها، على مدى الأسابيع الماضية، وجّهوا الكثير من الرسائل من دون أن يلقوا جواباً. «آخر الرسائل» كتبها باسمهم الدكتور محمد كمال (مقيم في إيطاليا منذ 11عاماً) ليعلم الدولة اللبنانية بآخر تطورات أوضاع «مواطنيها»، بعدما لامس معظم الطلاب، المقيمين في الشمال تحديداً، حافة الجوع، إذ «لم يعودوا يملكون القدرة على شراء الحاجات الأساسية»، وأقصى ما يطلبونه تأمين «قوت اليوم». وهذا لسببين أساسيين، أولهما «مباشر»، وهو الإجراءات التي فرضتها السلطات الإيطالية بعد انتشار فيروس «كورونا»، ما أدّى إلى خسارة الطلاب أعمالهم بعد إقفال المؤسسات والجامعات التي كانوا يعملون ويتعلمون فيها. والسبب الثاني هو ما يعانيه هؤلاء منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان، والتي طاولتهم من خلال إجراءات المصارف التي «قيّدت تحويلات أهاليهم»، بحسب كمال. لذلك، همّ الطلاب اليوم هو تحصيل «لقمة العيش»، بعدما أُقفل باب الرجوع إلى لبنان. طالب الماجستير في جامعة تورينو، حسين عمر، أكد لـ«الأخبار» أن الطلاب اللبنانيين كانوا سينجون من «الحصار» المفروض على المدن الإيطالية «لو أنهم عادوا إلى لبنان قبل إعلان حال التعبئة العامة، إلا أنه كان لإدارة شركة طيران الشرق الأوسط حسابات أخرى على ما يبدو». ويوضح أنه قبل وقف حركة الطيران بين البلدين، حجز حوالى 60 طالباً لبنانياً يتابعون دراساتهم في إيطاليا تذاكر سفر على متن الشركة ، وكانت «التذكرة بقيمة 170 يورو، أمّنها البعض من التبرعات». كان يُفترض أن تقلع تلك الرحلة في الثالث عشر من الجاري، إلا أنه «قبل يومين من الإقلاع تبلّغ الطلاب عبر البريد الإلكتروني أن الرحلة ألغيت وحدّد موعد آخر في السادس عشر من الجاري». غير أن الطلاب تبلّغوا مرة أخرى بإلغاء الرحلة، من دون تحديد موعدٍ آخر، ومن دون توضيح سبب ذلك، «إذ لم يكن مطار ميلانو قد أقفل بعد ولم تكن الحكومة اللبنانية قد أعلنت حال التعبئة العامة». مذّاك، ينتظر هؤلاء طائرة لن تقلع، بسبب قرار الحكومة وقف حركة الطيران بين بيروت والدول التي صنّفتها منظمة الصحة العالمية موبوءة. وهم يناشدون الدولة إجلاءهم من المدن الإيطالية «والعودة لتمضية الحجر الصحي في لبنان، مع الأخذ في الاعتبار الإجراءات الطبية اللازمة والإجبارية التي اعتمدتها الدول».
وزير الخارجية والمغتربين، ناصيف حتّي، يؤكد أنه في الوقت الحاضر «الرجعة مش بإيدنا»، وأن عودة الطلاب اللبنانيين من إيطاليا ومن غيرها من الدول المنكوبة «تحتاج إلى قرار غير متوافر حتى الآن». من هنا، الخيار الوحيد هو «البقاء حيث هم، ليس هرباً من مسؤولية علينا تحملها تجاه أبنائنا، وإنما لعدم وجود خيارات، وخصوصاً أنه ليس مسموحاً في الدول إخراج أحد من دون إجراء فحوص له»، وهي فحوص غير متوفرة إلا لمن تظهر عليهم العوارض، وخصوصاً أن إيطاليا تعاني نقصاً في معدات إجراء الفحص»، بحسب سفيرة لبنان في روما ميرنا ضاهر.
لذلك، المطلوب اليوم، بانتظار قرار عودة الطلاب إلى لبنان، «تأمين المساعدة العاجلة والمباشرة لتأمين احتياجاتهم في الوقت الحالي»، بحسب حتي. وهو طلب من الطلاب في المدن الإيطالية وغيرها من الدول التي يعاني فيها الطلاب، التواصل مع السفارات والقنصليات اللبنانية، لافتاً إلى أنه «تم وضع خط ساخن في القنصليات والسفارات التي تلقّت تعليمات بالتواصل مع أبناء الجاليات في كل الدول لتأمين المساعدات العاجلة».
في إيطاليا نحو 700 طالب، 400 منهم في الشمال الأكثر إصابة بالوباء


الضاهر أكّدت أن السفارة تتواصل مع الطلاب الذين قدّرت عددهم بنحو 700 في المدن الإيطالية المختلفة، «400 منهم على الأقل في منطقة الشمال» الأكثر معاناة من الوباء. الأولوية للسفارة في روما والقنصلية في ميلانو، اليوم، تأمين «المساعدات الفورية، وخصوصاً أن الطلاب في هذه الظروف لا يطلبون أكثر من الـbasic». ويعتمد تأمين الجزء الأكبر من هذه المساعدة على التبرّعات، مشيرة إلى أن «فاعل خير» تكفّل بالطلاب في الوقت الحالي. لكنه، يبقى إجراء موقّتاً قد يستمر العمل به «بضعة أشهر لمعرفة ما ستؤول إليه الأوضاع». لذلك، تناشد الضاهر «وضع خطة للطلاب اللبنانيين في الخارج». ومن جهة أخرى، تعمل السفارة على خط المصارف اللبنانية لحلّ مشكلة التحويلات في مثل هذه الظروف، «وحتى الآن كان هناك تجاوب من أحد المصارف لتسهيل أمور أولياء الطلاب لإرسال أموال إلى أبنائهم».
إجراءات موقّتة تستهدف البقاء، أقلّه حتى انتهاء المحنة التي يمر بها الطلاب ليس فقط في إيطاليا، وإنما في كل الدول، ومنها بريطانيا وتشيكيا أخيراً. وفي إطار تلك الإجراءات، شكّلت مجموعة من الطلاب خلية طوارئ بالتنسيق مع السفارة والقنصلية «للسعي لمعالجة المشاكل المادية واللوجستية والنفسية قدر المستطاع»، بحسب كمال، مشيراً إلى أنه حتى الآن «سجّلنا أكثر من 100 حالة بحاجة ماسّة إلى المساعدة».