فيما سخّرت الصين إمكاناتها العلمية والبشرية والتكنولوجية وغيرها لمواجهة تفشي وباء «كورونا» وحصره، حتى كادت أن تقضي عليه في مهد انتشاره، يبدو أن دولاً غربية عدة، كبريطانيا والسويد وهولندا، تنحو نحو اعتماد خيار «المغامرة الكبرى» عبر «السماح» للوباء بالتفشي بين مواطنيها من أجل إكسابهم «مناعة جماعية».ويُطلَق توصيف «المناعة الجماعية» عندما يربّي الكثير من الناس مناعةً لمقاومة مرض ما ــــ إما من خلال اللقاح أو التعرض للمرض ذاته وشفائهم منه ــــ بحيث يصبح من الصعب على العدوى الانتشار بين بقية السكان. ويمكن أن يؤدي هذا النوع من «المواجهة» إلى القضاء على المرض خلال موسم أو اثنين، أو شراء الوقت حتى يتم تطوير لقاح ضد الفيروس.
وفيما تحاول كل دول العالم تخفيف العبء على مرافقها الطبية عبر إجراءات عزل المصابين وفرض الحجر المنزلي على مواطنيها للحدّ من انتقال العدوى بينهم، تبدو المقاربة البريطانية للتصدي للفيروس مغايرة تماماً. إذ يحاول مسؤولون بريطانيون الترويج لفكرة «إدارة» تفشي الفيروس. وبما أنه لا يوجد لقاح «فعّال» و«معتمد» حتى الساعة، تريد حكومة بوريس جونسون أن يصاب بين 60 إلى 70 في المئة من المواطنين بـ«كورونا». ولكن، وهنا بيت القصيد، تعتقد الحكومة البريطانية بأنها تستطيع «انتقاء» الضحايا، بحيث يصاب فقط ذوو المناعة القوية، فيما يُحجر على الأشخاص الأكبر سناً وذوي المناعة الضعيفة، ما يدفع الأزمة إلى بلوغ ذروتها بحلول الصيف حين تكون المستشفيات قادرة على العمل بشكل أفضل. ويعتقد هؤلاء بأن ذلك سيساعد على خلق «مناعة جماعية»، فيما ينقسم الخبراء حول ما إذا كان هناك دليل يدعم هذه النظرية. وقالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، «لا نعرف الكثير عن طبيعة الفيروس العلمية، فهو غير موجود وسط السكان منذ مدة طويلة».
ويبدو أن بريطانيا لم تعد وحيدة في هذه المغامرة، بل انضمت إليها كل من السويد وهولندا. ففي أول خطاب من نوعه لرئيس وزراء هولندي منذ الأزمة النفطية في سبعينيات القرن الماضي، قال مارك روتي، الاثنين، إن «غالبية سكان هذا البلد» سيصابون بفيروس «كورونا»، لكنه استبعد إغلاقاً تاماً للبلاد. ولفت إلى أن حكومته تريد تطوير «مناعة جماعية» في انتظار إيجاد لقاح.
ورغم أن السويد لم تقل علانية إنها تريد اعتماد خيار «المناعة الجماعية»، إلا أن استراتجيتها قائمة على الآتي: إذا أصبتَ بمرض «كوفيد-19»، فما عليك إلا المكوث في المنزل ومراعاة نفسك بنفسك، ولا ينبغي عليك طلب المساعدة من المستشفيات إلا في حالة تأزّم حالتك الصحية أو اقترابك من الموت!
تعتقد الحكومة البريطانية بأنها تستطيع «انتقاء» الضحايا


يقول البروفسور ويليم فان شايك، أستاذ علم الأحياء المجهرية والعدوى في جامعة برمنغهام: «المناعة الجماعية موجودة ضد الأنفلونزا. إذا أخذ عدد كبير من السكان لقاح الأنفلونزا، يمكن أن يحمي هؤلاء المحصّنون الأفراد غير الملقحين. لكن مشكلة الأنفلونزا هي أن من الصعب معرفة أي سلالة هي التي ستتسبب في حدوث عدوى... لهذا السبب، فإن لقاح الأنفلونزا ليس دائماً فعالاً بنسبة 100%. المشكلة الرئيسة مع فيروس كورونا هي أنه جديد ولم ينتشر من قبل، ما يعني أن كل شخص معرّض لخطر الإصابة. لا يمكن الوصول إلى مناعة جماعية إلا من خلال التطعيم على نطاق واسع (ولكن لا يوجد حالياً لقاح، وقد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يصبح اللقاح متاحاً)، أو من قبل الأفراد الذين يصابون بالمرض ويتعافون، وبالتالي يطورون مناعة طبيعية ضد الفيروس». يتابع شايك: «أخيراً، من الصحيح أن المناعة الجماعية تجعل من الصعب انتشار المرض بسبب إصابة الأشخاص بالحصانة بعد الإصابة به أو التطعيم، وهذا هو السبب في أن اللقاحات كانت حجر الزاوية في الوقاية من الأمراض المعدية في الماضي. إن ترك مرض معدٍ يُحتمل أن يكون مميتاً ليُقضى عليه بين السكان، هو طريقة أخرى للوصول إلى مناعة جماعية، ولكنه يأتي مع «مخاطر وسلبيات كبيرة». هذا هو السبب في أننا ما زلنا بحاجة إلى العمل معاً جميعاً لمحاولة إبطاء وتقليل انتشار مرض كوفيد-19 من خلال ممارسة نظافة اليدين والتباعد الاجتماعي. نأمل أن يقلل هذا من الضغط على المرافق الطبية، ما يسمح بمعالجة المزيد من الأشخاص، وبالتالي تقليل عدد الأشخاص الذين يموتون بسبب هذه العدوى».