الاثنين الماضي، أقرّ مجلس بلدية بيروت عقد اتفاق بالتراضي (اعترض عليه عضوا المجلس غابي فرنيني وجو طرابلسي) لنقل 200 طن يومياً من نفايات مدينة بيروت، ومعالجتها. الاتفاق الذي عقد مع شركة «رامكو»، ينص على نقلها 200 طن من النفايات يومياً لمعالجتها في معمل للفرز لم يحدد بعد، وترجّح مصادر بلدية أن يكون معمل غوسطا في كسروان، كجزء من الخطة (ب) في حال توقُّف مطمر برج حمود أو مطمر الكوستابرافا عن استقبال جزء من نفايات العاصمة. «اتفاق التراضي» جاء بعد اجتماع المجلس البلدي أخيراً بوزيرة الداخلية ريا الحسن والاتفاق على إلغاء اتفاقات التراضي في مقابل تسريع «الداخلية» البتّ في دفاتر الشروط في مدة لا تتخطى ثلاثة أشهر.
العقد الحالي للشركة قيمته 70 مليون دولار (مروان طحطح)

23 مليون دولار (7,5 ملايين دولار سنوياً لثلاث سنوات)، هي قيمة العقد، «قُدّمت» على طبق من فضة لـ«رامكو» المكلفة أساساً كنس نفايات العاصمة وجمعها ونقلها مقابل 70 مليون دولار (على خمس سنوات). وربما كان يمكن التغاضي عن هذا «التفصيل» لو أن «رامكو» تطبق دفتر الشروط الذي فازت على أساسه بالمناقصة منذ نحو عامين. إذ يؤكّد أعضاء بلديون أن الشركة تخالف بنوداً في الدفتر، وقد وُجهت إليها ثلاثة إنذارات من محافظ بيروت زياد شبيب، الذي «يصدف» أنه من أعدّ الاتفاق الأخير! ومن هذه البنود عدم التزامها تسيير شاحنتين لجمع النفايات على كل من خطوطها (إحداهما للنفايات المفروزة)، وتحويلها بند جمع نفايات المطاعم والفنادق مجاناً إلى «بيزنس» عبر فرضها مبلغاً مالياً على بعض هؤلاء لجمع نفاياتهم، وعدم وفائها بكل الالتزامات المطلوبة في ما يتعلق بالتوعية على الفرز من المصدر.
الجانب الإيجابي للعقد يكمن في معالجة ثلث كمية النفايات التي تنتجها بيروت في معمل خاص. وبحسب خبراء، فإن اعتماد مثل هذا الحل منذ عامين مثلاً، كان يمكن أن يخفّف الأعباء المالية التي يجري تكبّدها حالياً، ويُسهم في التخفيف من كمية النفايات التي تذهب إلى الطمر، وهو ما يطرح سؤالاً عن الغاية من إنشاء محرقة في ظل قدرة البلدية على اعتماد حلول مماثلة لمعالجة نفاياتها.
عقد التراضي أعدّه المحافظ بعدما وجّه ثلاثة إنذارات إلى الشركة لمخالفتها بنود عقدها الحالي!


ومعلوم أن التوجه إلى هذا الحل اعتمد بعد تحذير رئيس اتحاد بلديات الضاحية محمد درغام بمنع دخول 200 طن من نفايات بيروت تذهب إلى مطمر كوستابرافا خلال عشرة أيام، بعدما بات المطمر يستقبل أكثر مما نصت عليه خطة مجلس الوزراء، ويكاد يبلغ قدرته الاستيعابية القصوى. ويأتي أيضاً مع قرب انتهاء القدرة الاستيعابية لمطمر برج حمود (يستقبل 200 طن من نفايات العاصمة يومياً إضافة إلى 200 طن تذهب إلى صيدا)، ما أحرج بلدية بيروت مع التهديد بعودة النفايات إلى الشوارع. لذلك، اضطرت إلى اعتماد هذا الحلّ. علماً أن رئيسها جمال عيتاني أجل البتّ به منذ نحو أسبوعين لتعويله على إيجاد أكثرية ترفضه. إلا أن ضيق المهل دفع إلى طرح القرار على جدول أعمال المجلس الاثنين الماضي، وهو نال أكثرية الأصوات، بما فيها صوت عيتاني، حتى لا يبدو معارضاً لحل بيئي بمعزل عن المحرقة.



عيتاني مصرّ على المحرقة
رغم أن نقل ثلث نفايات بيروت للمعالجة يُسقط ذريعة الحاجة إلى المحرقة، إلا أن «الريّس» جمال عيتاني، على ما يبدو، لا يزال مصراً على هذا المشروع. إذ إنه أدرج على جدول أعمال جلسة الثلاثاء المقبل بنداً يتعلق بـ«تكليف استشاري متخصص إعداد دراسة مالية، نموذج الحوكمة، قواعد وأنظمة الصحة والسلامة والبيئة، حول مشروع إنشاء معمل لمعالجة النفايات الصلبة عبر تقنية التفكك الحراري». ويبدو جلياً أن رئيس البلدية يسعى إلى معالجة الملاحظات التي أبداها كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية حول دراسة الجدوى الاقتصادية ودراسة الأثر البيئي ليتسنى له مستقبلاً كسب أصواتهما في المجلس.
وكانت خطة عيتاني لمعالجة النفايات التي أعلنها غداة فوزه تركّز على مبدأ تخفيف حجم النفايات قبل التخلص النهائي من الكميات الباقية، وترتكز على الفرز من المصدر وإعادة تدوير ما يمكن تدويره، ومن ثم الفرز مرة أخرى، وإنتاج الطاقة مما بقي. إلا أن دفتر شروط المحرقة الذي ينص على معالجتها 650 طناً من النفايات - أي كل ما تنتجه بيروت يومياً - يؤكد عدم وجود أي نية للفرز أو لتطبيق مبدأ التخفيف!


درغام: لا لكوستابرافا 3
قبل نحو 10 أيام، عقد رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد درغام، مؤتمراً صحافياً أعلن فيه «أننا لا نستطيع أن نتحمل بعد الآن مطمراً على مدخل الضاحية الجنوبية». وأعطى مهلة 10 أيام «قبل أن نعمل على وقف إدخال الكميات الإضافية التي تتخطى الألف طن يوميّاً من النفايات إلى مطمر الكوستابرافا». إذ إن الأخير يستقبل إلى جانب نفايات الضاحية، نفايات الشوف وعاليه وجزءاً من نفايات بعبدا وبيروت، وفق خطة النفايات التي أقرها مجلس الوزراء، مقابل حوافز للبلديات التي تقع المطامر ضمنها. لكن سريعاً ما جرت مخالفة الخطة التي حددت كمية 1000 طن لمطمر الكوستابرافا الذي بات يستقبل بين 1550 و1600 طن يومياً. فكان أن علت صرخة الاتحاد خشية تحول المطمر إلى ما يشبه الناعمة. وتتخوف مصادر بلدية ضمن الاتحاد من المخالفات الجسيمة التي تجري، ما يناقض أساس الموافقة على الخطة التي تضمنت الإسراع في إنهاء تطوير معمل فرز العمروسية وأعمال إنشاء وتشغيل معمل التسبيخ في الكوستابرافا والعمل على تخفيف النفايات تدريجاً. إلا أن «أياً من هذه الأمور لم يحصل، إذ لم تضع الدولة مساراً لتخفيف النفايات وفرض ضرائب على البلاستيك والزجاج مثلاً، ولم تضع حلاً دائماً، بل اكتفت بحلول مؤقتة يسعى البعض إلى جعلها دائمة عبر جعل مدخل الضاحية مكبّاً للنفايات». وقالت المصادر إن درغام سيعقد مؤتمراً صحافياً اليوم «ليضع شروطاً محددة ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم». إذ لا يمكن الضاحية وحدها أن تتحمل «كل النفايات من المناطق المحاذية لديها، على اعتقاد بأن أهلها لا يعارضون الأمر». درغام أسف لأن «ملف النفايات تسيّس وبات يشكل فوبيا للمواطن والمسؤولين ومصدراً مالياً لبعض البلديات وسط إهمال غير مقبول في إيجاد حلول بيئية جدية من الدولة». وحمّل المسؤولية أيضاً لمجلس الإنماء والإعمار «الذي كان يفترض أن يشكل جزءاً من الحل. وقد طلب منه الاتحاد أكثر من مرة البدء، مثلاً، بجمع الكراتين من المعامل كل نهار أربعاء، مقابل وضع رسوم مالية على من يرميها خارجاً من دون أن نلقى جواباً». لذلك «كان لا بدّ من دقّ ناقوس الخطر لإجبار مجلس الوزراء على التزام خططه وإنقاذ الضاحية من مشروع يحوّل مدخلها إلى مكبّ للنفايات ويفتح المجال لكوستابرافا 3 و4 و5».