كما جرت العادة، كلّما أرادت مؤسسات الدولة التهرب من مسؤولياتها، تجد كبش فداء لترمي عليه مواصفاتها الأكثر سوءاً. فها هي المصلحة الوطنية لنهر الليطاني («الأخبار»، 20/3/2019) تقدّم إخباراً «عاجلاً جداً» الى النيابة العامة المالية عن «إقدام بعض الجمعيات الأهلية المعنية بالنازحين على اختلاس وتبديد أموال عامة (...) وإقامة مخيمات (...) ومكبات للنفايات الصلبة في مجرى نهر الليطاني وروافده، على نحو يتضمن ارتكاب جرائم الاختلاس وارتكاب جرائم تلويث البيئة»، و«كفى» من بين الجمعيات المذكورة في الإخبار. فبعدما ألقت الدولة اللبنانية على اللاجئين السوريين مسؤولية المشاكل التي أحدثتها عقود من سوء الحكم ومن سياسات إقتصادية غير منتظمة ومن فساد ومحسوبيات وزبائنية، ها هي اليوم تجد مسؤولا جديداً ترمي عليه تبعات تقصيرها: الجمعيات الأهلية. بعد 8 سنوات على تعاطي مؤسسات الدولة بخفّة وبمنفعة مادية مع ملفّ اللجوء السوري، كما تتعاطى مع الملفات الداخلية كالنفايات والتلوث والصحة والكهرباء وقضايا المرأة والطفل وغيرها، معتمدة سياسة اللاسياسة من جهة، وسياسة التضييق والتحريض على اللاجئين السوريين من جهة أخرى، رافضة تنظيم مخيمات لهم وتاركة للسلطات المحلية وللمنظمات المحلية والدولية إدارة هذا الملف، أصبح من قام بمهام مؤسسات الدولة طوال هذه السنوات هو المسؤول بالنسبة لمصلحة الليطاني عن ارتكاب جرائم إختلاس وارتكاب جرائم تلويث البيئة. الجمعيات أصبحت في نظر «المصلحة» هي المسؤولة عن مقتل الناس بالسرطان من أهل البقاع نتيجة التلوث، وهي من أوقفت دراسة عن نسب السرطان كانت قد «أخرجت معطيات علمية تثبت جريمة الليطاني والمسؤولين عنها في مؤسسات الدولة كافة» كما جاء في تحقيق نشرته «المفكرة القانونية»، وهي المسؤولة عن «نفايات 640 مؤسسة صناعية من الفئات الأولى حتى الرابعة ترمي مجاريرها من دون أي معالجة نحو مجرى النهر، من بينها نفايات صناعية خطيرة جداً على البيئة وصحة الإنسان»، وعن غياب «الألف ومئة مليار ليرة لبنانية لتنظيف الليطاني وبحيرة القرعون وإنشاء محطات تكرير صرف صحي جديدة وتشغيل الموجودة المعطلة ومساعدة المؤسسات الصناعية على معالجة ملوثاتها» وفقاً لـ«المفكرة القانونية» أيضاً.
هل العمل الذي تقوم به «كفى» في مركزها في البقاع وفي المخيمات وتجمعات اللاجئين السوريين من أنشطة توعوية ومساندة إجتماعية ونفسية للنساء والمراهقين والمراهقات والرجال والأطفال، يلوّث نهر الليطاني وفيه اختلاس للأموال؟ وهل حملة «المصلحة» ضدّ الجمعيات بداية تضييق على الجمعيات والمنظمات الدولية التي تعمل مع اللاجئين السوريين لإرهابها والضغط عليها للتراجع عن مساعدتهم، وذلك لمحاصرة اللاجئين أكثر وحرمانهم من الحد الأدنى الذي يحصلون عليه من عمل هذه الجمعيات والمنظمات في البقاع؟
منظّمة «كفى عنف واستغلال»