«مغارة علي بابا»، هكذا يصف أحد أبناء مدينة صور حديقتها العامة. «متاهة من الفساد وشبكة من المستفيدين على مدى عقود». الحديقة الممتدّة على مساحة 170 ألف متر مربع هي أولى ضحايا أزمة النفايات التي تعصف بلبنان منذ أعوام، والتي بدأت طلائعها في صور عام 2013 مع إغلاق مطمر دير قانون ــــ رأس العين. يومها، لم تجد البلدية حلاً للنفايات المتراكمة في الشوارع سوى نقلها إلى قسم من الحديقة العامة الوحيدة في المدينة. الأمر نفسه تكرّر عام 2015 مع إغلاق معمل عين بعال لمعالجة النفايات، ولا يزال مستمراً، لتتحوّل الحديقة مكبّاً ضخماً ومصدراً لروائح كريهة، يؤكد ناشطون أنها ناجمة عن عمليات طمر وحرق، فيما نفت البلدية ذلك. وأكد رئيسها حسن دبوق، في مؤتمر صحافي أخيراً، أن مساحة الحديقة لا تسمح أساساً بالطمر.«عمليات الطمر والحرق السابقة والحالية تبث رائحتها ولا يمكن إخفاؤها»، يؤكد حسن حجازي، أحد منظّمي «الهيئة الشعبية لمتابعة البيئة في قضاء صور». بالنسبة إلى حجازي، فإن المؤتمر الصحافي لرئيس البلدية «أكد ما يحصل من انتهاكات بيئية، إذ لم تبين البلدية الآليات التي تعتمدها في ما يتعلق بالنفايات، ولا الأماكن التي تضعها فيها. فأين تذهب النفايات إذن؟». ويعتبر أن أزمة النفايات استفحلت في منطقة صور «بسبب العشوائية المعتمدة في التعامل معها من قبل كل البلديات. وقد عرضت الهيئة حلولاً كثيرة لم تُقبل. ويبدو أن صفقة المحارق وراء كل هذه المماطلة».
يؤكد ناشطون بيئيون أن الروائح تثبت وجود نفايات مطمورة ومحروقة داخل الحديقة


نائب رئيس البلدية، صلاح صبراوي، أكّد أن الحديقة تستخدم فقط لتجميع النفايات قبل أن ينقلها متعهدون إلى مطامر في مناطق مختلفة، مشيراً إلى أن المدينة تنتج بين 60 و70 طناً يومياً، «وهذا ما لا يمكن أن تتسع له الحديقة». ونبّه الى أن هناك «محاولة لتشويه صورة المدينة وضرب السياحة فيها، من الحديث عن البحر وتلوثه إلى قضية الحديقة». رغم ذلك، يؤكد ناشطون بيئيون في المدينة أن الرائحة التي بدأت تزداد مؤخراً في محيط الحديقة تثبت وجود نفايات مطمورة ومحروقة.
الروائح المنبعثة من الحديقة لا تتعلق بالنفايات فقط، بل تتعداها الى شبهات فساد. «حديقة صور كانت على مدى 15 عاماً بئر نفط لكثيرين»، يؤكد أحد سكان المدينة، مشيراً إلى أن «إحضار أي خبير سيظهر كمية الرمال والتراب التي استخرجت منها وبيعت لمصالح أشخاص على عينك يا تاجر». كذلك يتهامس كثير من الصوريين حول مزاريب أخرى للفساد تم استغلال الحديقة فيها، تبدأ بعدد الموظفين المكلّفين بحراستها ولا تنتهي بعمليات التأهيل العشوائية التي يستفيد منها متعهدون معروفون، فضلاً عن «عشرات المشاريع الوهمية التي قبضت البلدية ثمنها ولم نرها في الحديقة»، كما يؤكد صاحب أحد المقاهي المجاورة.
إلى تجميع النفايات، فإن جزءاً من الحديقة يُستخدم حالياً لجمع هياكل سيارات ومراكب قديمة، فيما تقصد مئات العائلات من المدينة وجوارها قسماً صغيراً منها بعد إعادة تأهيله، قبل أن تهدّد الروائح الكريهة رئة المدينة الوحيدة.