ترتبط بلدات صيدا وإقليم التفاح وجزين والزهراني عضوياً بمدينة صيدا، الأمر الذي ألقى بأبنائها، المقيمين فيها، في حضن كليات الفرع الخامس القائمة في عاصمة الجنوب منذ عقود (كلية الحقوق والعلوم السياسية، معهد العلوم الإجتماعية وكلية الآداب والعلوم الإنسانية). تلك الكليات توفر سنوات الدراسة لنيل الشهادة الجامعية. ومن يرد أن يتابع دراساته العليا، عليه الذهاب إلى بيروت.
عام 1986، افتتحت الجامعة فرعاً لكلية إدارة الأعمال في النبطية في مبنى مستأجر تشغله حتى الآن. ولم توفر للطلاب سوى اختصاصي الاقتصاد وإدارة الأعمال. مع ذلك، تشهد الكلية في كل عام تنافساً شديداً للحصول على مقعد. حالياً يوفر الفرع للطالب شهادة «ماستر ــــ 1»، ولاستكمال «ماسترــــ 2» عليه أن يذهب إلى بيروت أيضاً.
فرع كلية العلوم في النبطية افتتح عام 1989 في مبنى لدار المعلمين التابع لوزارة التربية قبل أن تنتقل إلى مبنى مستأجر تشغله حتى الآن. يوفر هذا الفرع اختصاصات الرياضيات والبيولوجيا والكيمياء والفيزياء والبي كيمياء، في السنوات الثلاث الأولى التي ينال الطالب في نهايتها ليسانس في حين أنّ «ماستر1» و«ماستر 2» غير متوافرين في النبطية. «أحسن من بلاش»، تقول فدا التي تنتقل من بلدتها في حاصبيا إلى كلية العلوم في النبطية ثلاثة أيام أسبوعياً «في حال كان الطقس مناسباً في الشتاء». في المنطقة الحدودية التي عانت من الإحتلال الإسرائيلي المندحر والإهمال المستمر، لا يملك الطلاب فرصة للإختيار. لم تكن فدا ترغب بدراسة إدارة الأعمال أو العلوم، بل الإعلام أو العلوم الإجتماعية. وهذان الإختصاصان بعيدان عنها جغرافياً، إضافة إلى رفض أهلها بأن تسكن بمفردها في بيروت، وعدم توافر الإمكانات المادية لتغطية تكاليف المعيشة. علماً بأن جامعات خاصة عدة افتتحت فروعاً في النبطية ومحيطها، تتوافر فيها اختصاصات متنوعة. لكن تكلفتها تفوق قدرة الكثيرين. تشكو فدا من كثافة عدد الطلاب في الصف الواحد. إذ إن زملاءها مثلها «جاؤوا إلى هنا لعدم توافر البديل»، وهي لن تستطيع الإنتقال إلى بيروت لاستكمال دراسة الماستر.

بعض الشعب توفر
دراسة سنة واحدة فقط

لا يكترث علي بيضون لتداعيات افتتاح فروع وشعب للجامعة الوطنية في الأقضية. «ماذا يفعل أبناء القرى الحدودية المهملة حيث لا شبكة نقل عام وحيث تنعدم الحركة في أشهر الشتاء؟»، يتساءل تعليقاً على جدوى افتتاح شعبة لكلية العلوم عام 2009 في مدينته بنت جبيل. يرفض ربط التشعيب بالمناطقية والإنعزالية، مشيراً إلى أن الشعبة تستقطب أبناء البلدات المجاورة المختلفة طائفياً والمتوحدة بفقرها وحاجتها. الخطأ بالنسبة إليه ليس بافتتاح المزيد من الفروع، إنما «بطريقة تشغيلها التي تشبه الخطوة الشكلية القائمة على الإستعراض في وقت الانتخابات». يقر بيضون بأن افتتاح شعبة بنت جبيل له تداعيات إيجابية انتخابية للقوى السياسية المسيطرة في المنطقة. لكن يطالب هذه القوى بأن «تكمل جميلها»، فالشعبة التي افتتحت في مبنى مدرسة عبد اللطيف سعد الرسمية، توفر دراسة سنة واحدة فقط في اختصاصات الرياضيات والاحصاء والكترونيك والفيزياء والمعلوماتية. بيضون كالعشرات في السنوات السبع الماضية أنهى السنة الأولى. ماذا فعل؟ يجيب: «توقفت كالكثيرين غيري عن الدراسة وذهبت للعمل في مجال تصليح الهواتف الخلوية». عند بداية كل عام دراسي، يتسجل طلاب جدد في هذه الشعبة لعدم توافر البديل في المنطقة وأملاً في افتتاح باقي السنوات، تغنيهم عن التسرب الجامعي والبطالة والنزوح عن أرضهم. علماً بأن تلك الشعبة حظيت بدعم من قوات اليونيفيل أبرزها تجهيز مختبر للمعلوماتية من الوحدة الإيطالية... لم يشغّل.
في صور، لم تستطع شعبة العلوم أن تنسي طلاب المنطقة تعثر فرع معهد العلوم التطبيقية والاقتصادية «CNAM» الذي أقفل أبوابه لاضطرار طلابه إلى متابعة دراستهم في بيروت. الشعبة التي افتتحت أيضاً عام 2009، أي عقب الانتخابات النيابية الأخيرة، لا تزال توفر دراسة سنة واحدة فقط. الإختصاصات المتوافرة فيها: علوم طبيعية وكيمياء حياتية وكيمياء عامة ورياضيات ومعلوماتية واحصاء وفيزياء والكترونيك. بعد إنجاز السنة الأولى، يتشتت الطلاب. عند افتتاح هذه الشعبة غصت الصفوف بمئات الطلاب من أبناء المنطقة، قبل أن يتضاءل العدد في سنوات لاحقة بسبب ثغرة «الشهادة الناقصة».
في عام 2009، تعهدت البرامج الانتخابية للقوى السياسية المسيطرة بافتتاح فرع لكلية السياحة لكون صور قبلة سياحية حول العالم. عند بداية كل عام دراسي، تتجدد الوعود ذاتها. آخرها، افتتاحها إدارياً لهذا العام، على أن تفتح دراسياً العام المقبل من دون حسم عدد السنوات الدراسية التي ستوفرها.