ويكشف ميزان المدفوعات عن مصدر النزف بالعملات الأجنبية. ففي الأشهر الأولى من السنة كان مصرف لبنان هو مصدر النزف، ثم أصبحت المصارف هي مصدر النزف. وتشير الإحصاءات إلى أن قيمة العجز المسجل على مصرف لبنان في شهر آذار بلغت 1158.1 مليون دولار، ثم عجز بقيمة 443.5 مليون دولار في شهر نيسان، وعجز بقيمة 675.7 مليون دولار في شهر أيار. وفي المقابل، سجّلت المصارف عجزاً كبيراً في شهري حزيران وتموز، إذ تشير الإحصاءات إلى نتيجة سلبية بقيمة 2523.4 مليون دولار في حزيران و1470.7 مليون دولار في تموز.
العجز التجاري بلغ 9.34 مليار دولار حتى تموز 2017
تعدّ هذه النتيجة مؤشراً على الصعوبات المالية في لبنان، إذ أن الحاجة ماسة للحصول على العملات الأجنبية لتمويل العجز التجاري الذي بلغ 15.7 مليار دولار في عام 2016، وبلغ 9.34 مليار دولار حتى نهاية تموز من عام 2017. كذلك، يتوجب النظر بشكل دقيق إلى مصدر النزف، فالمعروف أن الأزمة تصبح أعمق كلما كان النزف يعبر عن هروب أموال من لبنان، أي أنه يظهر في ميزانيات المصارف. العملات الأجنبية التي تدخل إلى مصرف لبنان تخرج منه إلى المصارف وقد تهرب من النظام بكامله وقد تبقى فيه، أما تلك التي تخرج من المصارف فهي تهرب إلى خارج البلاد وهنا مكمن الخطورة. إذا كانت الكميات الخارجة كبيرة وتفوق الكميات الواردة إلى لبنان، فإن الحاجة للعملات الأجنبية ستزداد وتؤثر سلباً على عامل «الثقة» الذي يُستعمل لاستقطاب التدفقات من الخارج. ومع ضعف هذا العامل، فإن المشكلة تغذّي نفسها وتستجر زيادة في الطلب على الدولارات ونزفاً لا يمكن وقفه بسهولة.
على أي حال، بعيداً عن السيناريو «الأسوأ»، فإن ما يظهر في ميزان المدفوعات هو أن الإجراءات التي اتخذت خلال الأشهر الماضية لوقف النزف، على ضخامتها وكلفتها الباهظة، تبدو غير قادرة على وقف النزف، بل تعالجه بشكل سطحي في عملية توصف بأنها «شراء الوقت»، وهو أمر ألمح إليه بيان صادر عن خبراء صندوق النقد الدولي خلال زيارتهم لبنان في إطار مهمة «البعثة الرابعة»، إذ قال رئيس فريق البعثة كريس جارفيس: «لا يزال نظام ربط سعر الصرف يشكل ركيزة اسمية ملائمة. ويتعين أن يكون مصرف لبنان على استعداد لزيادة أسعار الفائدة في حالة تباطؤ وتيرة تدفقات الودائع الداخلة بعد انتهاء آخر جولات عمليات الهندسة المالية. ومن الضروري كذلك أن يواصل مصرف لبنان رصد المخاطر وتخفيفها في القطاع المصرفي». علماً أن جارفيس لم يخف قلقه من المخاطر في القطاع المصرفي، ولا سيما بعد التقييم المالي الذي قام به الصندوق خلال الأشهر الماضية، والذي أظهر انكشافاً كبيراً لميزانيات المصارف على الدين السيادي في توظيفاتها، وعلى العقارات في قروضها للقطاع الخاص.
(الأخبار)