ديانا نياد (1949)، سبّاحة المسافات الطويلة الأميركية، عرفت الشهرة بعدما حطّمت الرقم القياسي للسيدات (8 دقائق و11 ثانية، مسافة 35 كلم) في «مسابقة خليج نابولي» عام 1974 ثم في السباحة حول جزيرة مانهاتن (45 كلم) عام 1975، ومن جزر البهاما إلى فلوريدا (165 كلم). في عام 1978، عبرت المحيط بين هافانا في كوبا وكي ويست في ولاية فلوريدا الأميركية، وقَطعت مسافة 180 كيلومتراً، لكن بعد 42 ساعة من السباحة، أُخرجت من الماء بواسطة الفريق الطبي بسبب إصابتها بالجهد والتعب. بعد 32 عاماً، قرّرت نياد في عام 2010، تحقيق الحلم الوحيد الذي استعصى عليها: السباحة من كوبا إلى فلوريدا. هكذا، عيّنت صديقتها المفضلة وشريكتها السابقة بوني ستول لتدريبها. رغم الشكوك العامة بإمكانية نجاحها نظراً إلى عمرها، انتقلت ديانا مع بوني وعيّنت الملاح جون باليت لمرافقتها. بدلاً من القفص الذي سبحت به قبل حوالي ثلاثين عاماً، اختارت ديانا السباحة باستخدام تقنية إلكترونية كطارد لأسماك القرش. في عام 2011، قامت بمحاولتها الأولى، لكنها فشلت. في عام 2012 قامت بمحاولة ثانية من دون جدوى. في 31 آب (أغسطس) 2013، نجحت محاولتها الخامسة في إيصالها إلى شواطئ فلوريدا في 2 أيلول (سبتمبر) من ذلك العام، لتصبح أول شخص، حتى اليوم، يُكمل السباحة من كوبا إلى فلوريدا من دون قفص حماية.


الوافدون الجدد إلى عالم الأفلام الروائية، المتخصّصون في الأفلام الوثائقية حول الرياضات المتطرّفة، جيمي تشين وإليزابيث تشاي فاسارهيلي (Free Solo» /2018، وThe Rescue» /2021)، ومعهما كاتبة السيناريو جوليا كوكس، استلهموا حياة ديانا نياد، ليقدموا أول فيلم روائي لهما بعنوان «نياد». يحكي الشريط قصة ديانا الحقيقية وسباحتها الطويلة في عمر الستين عاماً. آنيت بنينغ (مرشحة لأوسكار أفضل ممثلة)، تكرّس نفسها وجسدها لتقمّص دور ديانا نياد، الذي يتطلّب جهداً جسدياً كبيراً. في البداية، تظهر لنا كامرأة تبحث عن تحقيق حلمها المستحيل، وتملؤنا بالإلهام، فنرغب بشدّة أن نراها تنجح في مسعاها. لكن مع تقدّم الفيلم، تكشف عن شخصية السبّاحة المهووسة والأنانية، التي تعامل زملاءها في الفريق بشكل سيّئ، بل تخاطر بحياتهم. إنها شخصية يصعب حبّها ومتابعتها، إلا أن الانضباط والعاطفية اللذين تنقلهما لنا بنينغ، يدعواننا إلى مواصلة الرحلة. سرقت جودي فوستر (مرشحة لأوسكار أفضل ممثلة مساعدة) الفيلم بدور بوني ستول، الذي لا يتطلب جهداً جسدياً كبيراً، لكنه دور عاطفي. حملت فوستر العديد من المشاعر، ونقلتها لنا بطريقة غير عادية. مثلاً، عندما تكافح ديانا للوصول وتحدّي الموت بينما تحاول الوصول إلى مبتغاها، يمكننا أن نرى القلق والخوف على وجه ستول (فوستر). هي قلب الفيلم، بشخصيتها الحيوية وتفاؤلها، تُلهم بقية الشخصيات الداعمة باستمرار. من بين هذه الشخصيّات الملّاح جون بارتليت (ريس إيفانز). رجل لا يتحدث كثيراً لكنّه يعرف التيارات الغادرة في المحيط، ولا يتوقف عن إظهار شكوكه. العلاقة بين ديانا وبوني معقّدة، حنونة في بعض الأحيان، ومزاجية في أحيان أخرى. يبدو أنهما أشبه بزوجين ـــ وقد كانا كذلك لمدة قصيرة ــــ أكثر من كونهما صديقين. تتعامل بوني مع ديانا بحبّ لكنّها تعرف تماماً أنّها أنانية بشكلٍ لا يطاق، وقد بُنيت شخصيتها على أساس أسطورتها.
يستخدم «نياد» بنية «الفيلم الرياضي» الكلاسيكي، التي تعرف هوليوود كيف تصنعه بشكل جيد، عبر الإضاءة على الاستحالة والجنون الحرفي تقريباً لما تنوي نياد القيام به. يجمع العمل بين صفات الهوس والعناد والتظاهر، الرائعة لكن الخطيرة، فهي مزيج من رفض الاعتراف بالهزيمة وعدم التخلي أبداً عن أحلامك. لكنّ سيناريو الفيلم إشكالي للغاية، لا يعرف ما الذي يرد التركيز عليه. هل يسعى إلى أن يرويَ لنا قصة امرأة تجاوزت الستين من عمرها وتحقّق المستحيل؟ أم يرغب في استكشاف علاقتها مع والدها، والصدمات والجروح الشخصية لرياضية تمكنت من التغلب على ماضيها؟ يصعب استخلاص المغزى، وخصوصاً لدى مزج مشاهد أرشيفية ولقطات ومقابلات توثيقية وتسجيلات صوتية وغيرها من الموارد الحقيقية طوال الفيلم تقريباً.
يتّبع العمل بنية «الفيلم الرياضي» الكلاسيكي التي تجيد هوليوود صنعه


يراهن الفيلم على العلاقة بين الشخصيات. ومن الواضح أنه من دون الجودة التمثيلية لكلا الممثلتين، لم يكن ليتحرّك من مكانه، لأن الشخصيات كما هي مكتوبة، عبارة عن أشكال بلاستيكية لا تؤدي سوى وظيفة وصفيّة. الفيلم غير متناسق لا يتألق إلا في لحظات محددة، فهو يسعى جاهداً إلى إلهامنا للمضي قدماً، لكنّه لا يقنعنا. بعد مدة من الوقت، يتضخّم شعور اللامبالاة بسبب تكرار ذكريات الماضي المؤلمة إلى ما هو أبعد من الضروري لإبراز الدوافع النفسية التي تشكّل الحافز وراء كل فعل.
في «نياد» نشاهد ونسمع الكثير من الكلمات التي تحثّنا على تحقيق أحلامنا، حتى في تترات الفيلم النهائية. يغرقنا المخرجان في مشاهد ومقابلات لنياد الحقيقية التي تنطق بكل الكلمات التي تجبرنا على عدم الاستسلام، ما يحوّل الفيلم إلى ما يشبه فيديوات التحسين الذاتي التي تملأ اليوتيوب، لكنها هنا مجمّعة ومُختصرة وموجّهة إلى أولئك الذين يدفعون ثمن اشتراك نتفليكس.

* Nyad على نتفليكس