يبدأ الفيلم في بيل إير في لوس أنجليس عام 1926، عام وفاة رودولف فالنتينو. وبعده بسنة، سيأتي الفيلم الناطق الأول «مغني الجاز». إنه العصر الذهبي لهوليوود والنجوم مثل الآلهة. بينما عالم السينما يمرّ بلحظة حاسمة من الانتقال من الصمت إلى النطق، يسهب «بابيلون» في مصير ثماني شخصيات: جاك كونراد (براد بيت)، نجم سينمائي ذو حياة جامحة وواحد من الممثلين الأعلى أجراً. نيللي لاروي (مارغوت روبي) نجمة طموحة وصلت إلى القمة بسرعة.
ماني توريس (دييغو كالفا) شاب مكسيكي يحلم بأن يكون جزءاً من السينما، وليس راضياً عن أن يكون مجرد مساعد. سيدني بالمر (غوفان أديبو)، عازف جاز على وشك أن يبدأ مسيرته السينمائية. إلينور سانت جون (جان سمارت) ناقدة سينمائية يمكنها تغيير مصير النجوم. جيمس مكاي (توبي ماغواير) رجل عصابات مدمن على المخدرات ولديه قصص مجنونة يرغب في تحويلها إلى أفلام. فاي تشو (لين جون لي) مغنية في حفلات هوليوود وكاتبة (intertiles/ الترجمة السمعبصرية). إيرفينغ ثالبيرغ (ماكس مينغيلا)، أحد المنتجين الأميركيين الذي ماتوا في سن مبكرة عن عمر ناهز 37 عاماً في عام 1936. يمرّ «بابيلون» عبر 26 عاماً من تاريخ السينما، يركز بشكل خاص على أعوام 1927، 1930 وأخيراً 1952. باستثناء ثالبيرغ، فإن جميع الشخصيات الأخرى هي من خيال شازيل، ولكن خلف شخصية نيللي شبح الممثلة كلارا باو، بينما شخصية كونراد تناسب العديد من النجوم الصامتين الذين دمّرتهم السينما الناطقة، وربما يكون العظيم جون غيلبرت.
يراهن شازيل على صورته البرّاقة التي لا تقاوم، لكنّها غير متناسقة مع نصه. بالنسبة إلى أولئك الذين يحبون الأفلام ويعرفون تاريخ هوليوود، يحتوي الفيلم على مئات التفاصيل والاقتباسات من أفلام محددة وأسماء حقيقية، إلى تفاصيل تاريخية ومراجع أكثر دقة. المتعة الوحيدة التي يقدمها «بابيلون» هي طريقة تعامله المجنونة والمتناقضة مع تلك السنوات المجنونة في العشرينيات، ومشاهد طريقة تصوير الأفلام الصامتة، فترة وصلت فيها هوليوود غير المنضبطة إلى أعلى مستوياتها، وجزئية دخول الصوت والكلام إلى الأفلام لتفسح المجال للتطور وتتحول إلى ولادة حديثة وظهور الرقابة، وما تخلّلها من تدمير نجوم الأفلام الصامتة ومنهم شخصية براد بيت، الذي لم يتحمّل هبوط نجوميّته وغرق في الكآبة. شازيل مخرج لديه الكثير من الطموح وهذا واضح، لديه أيضاً مميزات بصرية خاصة به، تنتج مشاهد بحركة كاميرا سريعة رأيناها سابقاً في أفلامه. المونتاج دائماً يعزف على إيقاع الموسيقى، حتى الشخصيات تبدو كأنها تنتظر الموسيقى لتبدأ الحركة، ما ينتج الكثير من المشاهد الجيدة وإن كانت بلا جدوى إلى حد كبير. لا يبدو أنّ شازيل يفهم كثيراً ما يحبه في الأفلام والسينما بشكل عام، لأن فيلمه ليس تكريماً للسينما أو رسالة حب لها كما يُزعم، بل هو صورة لجنون مجموعة من الناس كانوا جزءاً منها. «بابيلون» يصدر الكثير من الضوضاء، مع الموسيقى التصويرية لجويتسن هورويتز الذي يبدو أنه يقتبس ويعيد نفسه من بعد فيلم «لا لاند».
يراهن داميان شازيل على صورته البرّاقة التي لا تقاوم، لكنها غير متناسقة مع نصّه
ينقسم الفيلم إلى فصول بحسب السنوات تعمل على إيقاع الفيلم وروح الدعابة. لكن بعد وقت ليس بطويل، يصبح الفيلم مرهقاً. على الرغم من أن وتيرته سريعة، إلا أنها في معظم الأحيان ليست مثيرة، لا توجد علاقة قوية بين الشخصيات باستثناء نيلي وأداء مارغوت الممتاز. يرمي المخرج بنا وسط حفلات كبيرة وجلسات تصوير مجنونة، يتم تقديمها بمشاهد طويلة مبهرة ومتفاخرة، بتدفق كبير وبدقة أقل. ثلاث ساعات من الهيجان يتبعه ركود ثم هيجان ولا شيء بينهما. لا أحرف معقدة ولا حوارات مثيرة للاهتمام (باستثناء واحدة، بين كونراد والناقدة السينمائية)، ولا سياق يتجاوز الحدث المحدد الذي يتم سرده. هناك إيماءات كثيرة، لكن لا محاولة للخوض في أي شيء. «بابيلون» مخمور بسبب طموحه، وخياله الأسلوبي، ويقضي ساعاته في إعادة تدوير الأفكار والشخصيات التي تجسد كيف يمكن أن تكون النجومية عابرة ومهينة. «بابيلون» حدث مهم في فيلم متلخبط. بين عدم الرغبة في تعميق الأحداث ووضع نوع من التسلسل الزمني الوصفي للعقود الأولى من الحياة في هوليوود، وجد المخرج نفسه مع تراكم بيانات ومراجع وشخصيات أفلتت من سيطرته للحظات طويلة. الطريقة التي تعامل بها شازيل مع الفيلم يعطي انطباعاً بأنه فيلمه هو هجاء منمّق عن شخصياته السخيفة في أعظم هيجانها. لذلك ربما، في أعماق نفسه، فشازيل هو مثل شخصياته يتساءل طوال الوقت عما يفعله هنا.
كتب المخرج كينيث أنغر (1927) في بداية كتابة «هوليوود بابيلون» (1959): «أراد إله هوليوود الأفيال البيضاء، وحصل عليها». والفيلم الأكثر طموحاً وإفراطاً لشازيل يحتوي على واحدة من كلمتين من عنوان كتاب أنغر الحاد. من الواضح، أن فيلم شازيل مستوحى من كتاب أنغر، وإن بشكل غير مباشر. لهذا، فإن أول ما نراه في الفيلم هو فيل يتم نقله بسيارة إلى بيل إير، إلى القصر الوحيد المرئي وسط لوس أنجليس المهجورة والمغبرة. «الغناء تحت المطر» (1952) هو فيلم موسيقى من إنتاج آرثر فريد لصالح شركة «مترو غولدوين ماير» ومن إخراج ستانلي دونين وجين كيلي. هو إحدى التحف السينمائية الخالدة، شهرته مستحقة والعديد من أغانيه وعناوينه استُخدمت في أفلام كثيرة. يمكن القول إن «الغناء تحت المطر» هو خلاصة لتاريخ الموسيقى حتى ذلك الوقت، كما يلقي نظرة على السينما مع الأخذ في الاعتبار الفترة المحورية التي انتهت فيها السينما الصامتة لتولد الصوت. «بابيلون» يعيد إنشاء الفترة التاريخية نفسها، يكرّم ويناقش ويذكر كثيراً «الغناء تحت المطر» وهو رهان قوي، لأنه يذكرنا دائماً بالفرق بين التحف الخالدة والفيلم المدعي. في «غناء تحت المطر» حبّ حقيقي للسينما وعالمها. في «بابيلون» ضوضاء وغضب وثلاث ساعات لا تعني شيئاً. ويختمها بأن السينما خالدة، تشكلنا وتأخذنا إلى عوالم، مشبعة بالجمال ووجهات النظر والصور من تلك الرومانسية بالأبيض والأسود إلى السينما الصامتة، إلى شخصيات جيمس كاميرون الزرقاء في باندورا. يقول إنّ السينما ستبقى مع كل من يصنعها ويحبها ويشاهدها ومع من يحلم بها ومن يكسب المال منها ومن يتوق إليها. في «بابيلون»، يتنبأ داميان شازيل بالسحر الأبدي للفن السابع... يا للهول!
* Babylon: صالات «أمبير» (1269)، «فوكس» (01/285582)، «سينما سيتي» (01/995195)، «سيني مول» (04/444399)، و«غراند سينما» (01/209109)