الإضاءة المختارة في الفيلم، كانت معتمة أثناء تحدث الشباب عن ذواتهم وجوهرهم الإنساني، تعبيراً عن حياتهم الخفية المعتمة على حساب الصورة المضيئة للشوارع التي تُظهر هوية المنطقة السياسية والطائفية عبر صور ولافتات كثيرة تضيع في داخلها ذوات الشباب الفردية.
تحكم وعي شباب الحي ثنائية الظلم والقوة، حيث يدركون في أعماقهم أنهم مظلومون من السياسة والمجتمع والوجود، حتى أنهم مظلومون من قبل أنفسهم، وهذا الشعور بالظلم يبرّر لهم اتخاذ القوة كمبدأ حياتي أساسي، يعيشون كخارجين عن القانون لا يثقون إلا في طائفتهم وقادتهم وقوتهم.
داخل هذه الثنائية، ينسج هؤلاء الشباب معاييرهم الأخلاقية الخاصة ورؤيتهم إلى تفاصيل الحياة، فيؤكدون بكثرة طيلة الفيلم أنهم لا يفترون على أحد، إنما استخدامهم للعنف هو دوماً للدفاع عن أنفسهم وكرامتهم، لا يعترفون بالخوف. السجن بالنسبة إليهم حتمية لحياتهم المختارة، تكسر الملل أحياناً. يتابعون أفلام الأكشن لأنهم يستمتعون بالعنف الذي يعبّر عن حياتهم التي يعيشونها. يسمعون الموسيقى الشعبية التي تتوافق مع أجواء المخدرات، ويعترفون في جلسة بوح في نهاية الفيلم أنّ المخدرات هي السبب الأساسي لتدمير حياتهم، ولذلك لا أمل لهم في مستقبل أبداً.
بالرغم من حديثهم الساخر والمتظاهر بالقوة، إلا أنّ الشريط يكسر الصورة النمطية لـ «زعران الحي»
وبالرغم من حديثهم الساخر والمتظاهر بالقوة الدائمة، إلا أن الفيلم يكسر الصورة النمطية لـ «زعران الحي» عبر دخوله إلى متناقضات حياتهم، وطرح وعيهم لأسباب الخراب الذاتي والمكاني، فتظهر في الفيلم ذواتهم الإنسانية وأثر الطائفية والمجتمع المصرّ على زجّهم ضمن قوالب جاهزة تعزز الصراع الطائفي.
عرض الفيلم اليوم في 2022 مهم، وخصوصاً بعد الأحداث الأخيرة التي شهدها لبنان، لأنه يقدم رؤية لشباب لبنان الضائع الذي يُستخدم في حروب وصراعات عبثية. يقول الشاب علاء في نهاية الفيلم أن من يملك المال والقوة وحده يستطيع النجاة في هذه البلاد، فهذان العنصران يوحّدان الجهات المتحكّمة بكل شيء. ولهذا يبحث الفيلم عما يوحّد شباب البلاد من خلال الخوض في ذواتهم الإنسانية، مبتعداً عن الهويات «القاتلة» بهدف خلق مستقبل أفضل لهؤلاء الشباب وبالتالي مستقبل أفضل للبنان.
* «أرق» حتى 23 آذار (مارس) على «أفلامنا»