السيناريو محشوّ بجمل قوية عاطفياً بدون معنى. أما السرد الدرامي، فحاول إحداث صدمة في البداية، لكنها كانت متوقعة ومعروفة. ولأنّ المعاناة رشحت من كل تفصيل في الشريط؛ نخرج بفيلم تقليدي وصور مألوفة ومواقف متوقعة. القصة الجيدة التي تروي صعوبات الحياة تحت الاحتلال؛ لا تعوّض عن المعالجة الباهتة وغير المقنعة لهذه الصعوبات. وما يبقى معنا منها ليس أكثر من رواسب طينية ودغدغة حواسّ ضارة، لا يسعنا إلا أن نشعر بالفراغ خلال المشاهدة وبعدها.
«أريد فقط الذهاب إلى المنزل!» جملة أعادها يوسف مراراً وتكراراً قبل نهاية الفيلم على الحاجز. إعادة الجملة نفسها مع قلق وحزن يتجسدان بألف حركة من يديه وتعابير وجه، جعلت هذه الجملة المحقة، التي يشعر بها كل فلسطيني، خاليةً من المعنى وفارغة من محتواها الوجودي. ولهذا اختزل الفيلم الصراع الوجودي والجغرافي، بحدود أمتار عدة. لو أن يوسف أعاد الجملة نفسها، لكن بدون خنوع وطلب الرحمة، وبعيون تنظر مباشرة إلى عينَي الجندي لكانت لهجة الفيلم كلها اختلفت. وهنا نصل إلى المشكلة الكبيرة: أنسنة الجندي الإسرائيلي. فالجندي الإسرائيلي تأثّر لدى رؤية يوسف يعيد الجملة ذاتها، وإذا بالفيلم يصوّر العدو كأنه يلعب لعبة «شرطي سيّئ وشرطي جيد». شفقة أحد الجنود على يوسف وطلبه من زميله ترك يوسف يذهب إلى بيته، ونعت الجندي «الجيد» بالخائن من قبل زملائه، مشهد كأنه يصوّر جنود الاحتلال كبشر يشفقون على الفلسطينيين ويتصدّقون عليهم بما هو حقهم في الأصل.
المعاناة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون في ظلّ الاحتلال
لعبت السينما الفلسطينية دوراً مهماً في العالم العربي، بخاصة في فلسطين ما بعد النكبة. شاركت «جماعة السينما الفلسطينية» في توثيق الحياة اليومية والأحداث، وأضحت الكاميرا أداةً في الصراع. كان هدف هذه الأفلام إظهار حقائق النضال واستملاك صورته الحقيقية التي كانت إسرائيل تحاول محوها وتشويهها بطريقة منهجية. كان يُنظر إلى اللقطات على أنّها جزء من النضال، ومخرجون أمثال مصطفى أبو علي، وهاني جوهرية، لم يكونوا يصنعون أفلاماً على أساس أنهم فنانون، بل على أنّ عملهم لا يختلف عن حمل البندقية. اليوم ندرك تماماً أنّ السينما الفلسطينية والعربية تتوق لدخول المجال العالمي، لكن هذا لا يوجب تطبيلاً وتهليلاً في الاعلام العربي لأيّ عمل فني بغضّ النظر عن قيمته الفنية ومحتواه. ما يعرض على الشاشة هو جزء من حياة الفلسطينيين، ولا نزايد على المخرجين الفلسطينيين الذين يحاولون تصوير ما يحدث اليوم، لكن إذا كنا نتوهم أن الغرب والأكاديمية يرشحان أفلاماً فلسطينية بسبب ثقلها الفني ومحتواها (لما يحدث حقيقة في فلسطين) نكون متوهّمين. لا نزال نتذكر غضب إسرائيل من المخرج الفلسطيني إيليا سليمان وفيلمه «سجل اختفاء» (1996)، عندما أعلنت أن الفيلم «يهدد ثقافتها القومية والإيديولوجية» وعبارة ضابط إسرائيلي «الفيلم أخطر علينا من حماس»، ومحاربتها سليمان لاحقاً في أوروبا، خصوصاً في محاولة منع عرض فيلم «يد إلهية» (2002) في «مهرجان كانّ السينمائي». ترشيح «الهدية» هو فقط محاولة من الأكاديمية لوضع نفسها في دائرة التنوّع والانفتاح. لكنّ الحقيقة، لو لم تجد الأكاديمية وأغلبية المصوّتين في الفيلم لغةً تتماهى مع تفكيرهم وآمالهم في سلام مزيّف بعيد عن العدالة الحقيقية؛ لما رأينا بأي حال من الأحوال فيلماً مماثلاً على القائمة النهائية للترشيحات.
* «الهدية» على نتفليكس
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا