دمشق | محاولة الاعتداء على سلوم حداد في مقهى الروضة، وتهديد جمال سليمان بالقتل، وتشليح أيمن زيدان سياراته في الدورشة وحالات الخطف المتكررة لإعلاميي التلفزيون السوري... كل ذلك لا يرتقي إلى الفاجعة التي تناقلتها المواقع الإلكترونية بسرعة قياسية مساء الجمعة الماضي: اغتيال الممثل السوري الشاب محمد رافع (1982/2012) نجل الممثل أحمد رافع، بعد خطفه من أمام منزله في حي مساكن برزة الدمشقي ثم تعذيبه وقتله والتمثيل بجثته على يد كتيبة مسلحة تطلق على نفسها اسم «أحفاد الصديق». سارعت هذه الأخيرة إلى نشر نبأ تصفية الممثل السوري على صفحة تنسيقية مساكن برزة على فايسبوك، مشيرة إلى أنّه «ضمن الحرب على النظام وشبيحته، فقد تمت تصفية الممثل محمد رافع بعدما عثر معه على سلاح فردي مرخص من فرع المخابرات الجوية»، إضافة إلى نشر صورة عن ورقة قيل إنّه عثر عليها معه وقد كتب عليها أسماء ناشطين سوريين وبعض أفراد المعارضة المسلحة.
وأكمل البيان أنّ هذه الورقة كانت دليلاً كافياً للتأكد من أنّه كان يعمل بالتشبيح لصالح النظام السوري. وحالما انتشر الخبر تحولت الصفحات الافتراضية لأصدقاء الممثل السوري إلى مساحات حرة لنشر تعليقات تنعي إبراهيم في «باب الحارة» الذي شيّعه والده شهيداً في المسلسل، وتوجه التعازي لوالده الحقيقي هذه المرة، فيما أشارت ناشطة سورية معروفة بتأييدها للنظام على صفحتها على فايسبوك إلى أنّ رافع اغتيل على خلفية مشاركته في فيلم تسجيلي ناطق بالإنكليزية (بعنوان Manufacturing Dissent: The truth about Syria) يتمحور حول الدور التحريضي لوسائل الاعلام في تشويه الأحداث في سوريا وتحريفها لصالح الأجندة الغربية عبر بث الأخبار المزيفة التي تثير الكراهية. وفي الشريط، يظهر رافع ليعرّف عن نفسه بأنه ممثل سوري ذو أصول فلسطينية ثم يتوجه إلى الغرب قائلاً: «أرجوكم أن تأتوا وتشاهدوا الإرهابيين في بلادنا كيف يتصرفون. لو كان هؤلاء في بريطانيا، لرأيتم كيف ستواجههم الحكومة. لدينا الحق في مقاومتهم والدفاع عن بلدنا، هناك إرهابيون منتشرون في أنحاء البلاد ومن حقنا أن ندافع عن أنفسنا». ثم يتهم رافع في الوثائقي بعض المحطات العربية بتحويل استديوهاتها إلى غرف عمليات على الهواء، ويسأل: «لماذا يسكت العالم عن الأبرياء الذين يموتون في غزة والعراق وأفغانستان؟». ويختم : «يريدون قتلنا اليوم لأننا الحصن الأخير المدافع عن خيارات الناس، فالزعماء العرب جميعهم خانوا شعوبهم.... هل تعتقدون أن هذه ثورة هنا؟».
بعد ذلك، اشتعلت الصفحات الإلكترونية بالخبر، خصوصاً لدى نجوم الدراما السورية. كتبت الممثلة نسرين الحكيم على صفحتها: «لو وقفنا دقيقة صمت لروح كل شهيد سوري، لبقينا صامتين مدى الحياة. لا تنتظروا من الحروف أن تترجم حزننا وغضبنا. الرحمة لروحك يا محمد، يا رافع علم بلدك والرحمة لكل شهدائك سوريا». أما الممثلة الشابة هبة نور، فقد نعت زميلها على فايسبوك ثم صرّحت لـ«الأخبار»: «لم أكن أعرف محمد جيداً، إلا أنني عملت معه طويلاً ولم ألمس فيه سوى التزام الشاب الطموح والطيبة المعروفة عن السوريين. وقد تكون الجريمة الوحيدة لمحمد من وجهة نظر قاتليه هي محبته لوطنه». في حين كتبت النجمة كندة علوش على صفحتها على الموقع الأزرق «لا للتشبيح والتشبيح المضاد، لا للعنف والعنف المضاد. لا لمقابلة الجريمة بالجريمة مهما كانت جريمة الفنان محمد رافع (...) هناك مئة طريقة للتعامل مع الأمر غير الانتقام الدموي والتشفي. لنحكّم العقل وإلا فسننحدر إلى درك لا رجعة بعده». ثم أردفت بتعليق آخر تترحم فيه على زميلها لدى تأكيد الخبر. إلا أنّ للمحرضين على الفتنة رأياً آخر، إذ سرّبوا خبراً مفبركاً يقول إنّ علوش ظهرت على قناة «فرانس 24» وصرّحت بأنّ محمد رافع كان شبيحاً لدى النظام وكان يهدد الممثلين المعارضين وكان مجرماً استحق الإعدام. لكن علوش نفت في اتصال مع «الأخبار» من مقر إقامتها في مصر أن تكون أجرت أي مقابلة أو تفوّهت بهذا الكلام، مضيفة: «تخوفت في البداية من أن يكون خطأ المحطة الفرنسية، لكنني تأكدت من عدم بثّها لأي خبر شبيه، وأنا لا أعرف الممثل الراحل، لكن يستحيل أن أكون مع مقتله لأنني لست مجرمة».
لم يكمل محمد رافع عامه الثلاثين ورحلة قصيرة قدم فيها أعمالاً تلفزيونية أهمها «الانتظار» و«باب الحارة» و«الزعيم» لتغيّبه حرب عمياء. ويبقى الأسف على الواقع السوري الأليم الذي صارت فيه أخبار القتل تتحول إلى مادة خام لعراك فارغ وفرصة لتلفيق أخبار وتصفية حسابات لا تنتهي.



أحمد رافع: ابن هذا الوطن

يقول الممثل أحمد رافع، والد الفنان القتيل، لـ«الأخبار»، إنّ محمد استشهد لأنّه «قرّر تبنّي قضية وطنه والدفاع عنه، وهو ليس أغلى من شهداء سوريا الذي يتزايدون يوماً بعد يوم. هو ابن هذا الوطن، وقد أضيف اسمه اليوم إلى قائمة الشهداء بسبب حبّه للوطن وتفانيه له». ويتابع أنّه تسلم جثة ابنه بعد يومين من البحث المتواصل، وقد عثر عليها مرمية في بساتين منطقة برزة.
أما عن موعد التشييع، فسيقام في الثالثة عصر اليوم الاثنين من مستشفى «تشرين» العسكري في دمشق إلى مسجد القزاز في حي مساكن برزة، ثم سيوارى في الثرى في مثواه الأخير في مقبرة الدحداح في شارع بغداد.