وسط هدوء تام وبين الأشجار الكثيفة، تبدو الرحلة إلى «مهرجانات بيت الدين» مشوّقة بكل المقاييس. هو ليس «مشواراً» لحضور أولى حفلات الفنان العراقي كاظم الساهر (1957)، بل أيضاً فرصة للهروب من صخب المدينة والاستمتاع بطبيعة الشوف (جبل لبنان). تمر الطريق بقرى عدّة مثل الدامور، ودميت، ودير دوريت، وكفرحيم وصولاً إلى بعقلين حيث تجمّع حشد هائل للقاء «قيصر الغناء العربي» أتوا من مختلف البلدان العربية وطغى عليهم الجنس اللطيف.
عند التاسعة والنصف مساءً، أطل الساهر على أنغام «أراضي خدودها» (كلمات إبراهيم غازي، وألحان محمد شفيق)، قبل أن ينتقل مباشرة للغناء من قصائد نزار قبّاني. بدأ بـ«أشهد أن لا امرأة إلا أنت». وقبل إكمال اللائحة صدح صوت أنثوي من بين الجماهير قائلاً: «تقبر قلبي يا كاظم». مغازلة أحرجت «القيصر» الذي شكرها بخجل وسارع إلى العودة إلى الغناء لتكرّ السبحة مع «أحبّيني» وتبلغ حماسة الحاضرين ذروتها في «زيديني عشقاً» إذ بدوا حافظين لأبسط تفاصيلها أكثر من الساهر نفسه، فيما طلب إليهم أن يغنّوا أحد المقاطع بدلاً منه. هدأت العاصفة الفنية، وبدا المشهد مختلفاً مع «مستبدة» و«ها حبيبي» (كلمات كريم العراقي وألحان كاظم الساهر)، و«فرشت رمل البحر» من كلمات الشاعر أسعد الغريري الذي أصدر «سفير العراق إلى العالم» ألبومه الأوّل بعنوان «شجرة الزيتون» عام 1984بالتعاون معه.
كثيرة هي الأجساد التي تمايلت على الأنغام الهادئة والعيون التي اغرورقت بالدموع فيما سرح البعض بعيداً في كلمات الأغنيات. يعرف الساهر جمهوره جيّداً ويتقن التفاعل معه، وهو ما دفعه إلى تطعيم برنامج الحفلة بلونه الأصلي. بعد موّال عراقي، غنّى «القيصر» أولى نجاحاته الفنّية أغنية «عبرت الشط» (1989) التي كانت من بين الأعمال الكثيرة التي قدّمها مع الشاعر كريم العراقي. ومن كلمات الأخير، أشعل الساهر المسرح بـ«عيد وحب» ورقصَ الدبكة العراقية مع بعض أعضاء فرقته العراقيين. فيما كان متوّقعاً أن تظهر المشتركة السابقة في برنامج المواهب The Voice السورية نور عرقسوسي مع مدرّبها على المسرح أوّل من أمس، فاجأ الساهر الحضور بالتونسية يسرا محنوش التي قدّمت معه دويتو أغنية «أشكيك لمين» التي لحّنها الساهر وكتب كلماتها الشاعر المصري الكبير عبد الوهاب محمد (1930 ــ 1996).
بعد محنوش، استقبل الساهر إلى جانبه متسابقة تونسية أخرى في البرنامج «لم تأخذ فرصتها» تدعى وسام القروي وغنّى معها «حافية القدمين» (كلمات نزار قبّاني)، معلناً أنّ عرقسوسي ستطل في «حفلة غد (أمس) إضافة إلى مشترك آخر».
علماً أنّ الساهر أطلّ في حفلتين متتاليتين خلال اليومين الماضيين. بعد لبنان، ستكون محطة «أبو وسام» في تونس حيث سيحيي حفلةً على خشبة مسرح «مهرجانات قرطاج» في 8 آب (أغسطس) المقبل.
إذاً، عاد كاظم الساهر إلى «قصر بيت الدين» بعدما قدّم حفلته العام الماضي في «مهرجانات بيبلوس الدولية»، مالئاً الأجواء سحراً وطرباً وفرحاً. بعد ساعتين من الغناء المتواصل، أثبت الساهر مجدداً بغنائه وآهاته وتناغم إحساسه مع حركات يديه أنّه آسر إلى أبعد الحدود، كما كسر قواعد كثيرة أبرزها أنّ صوت المطرب الحقيقي على المسرح أجمل بكثير من أغنياته المسجّلة!