سجّل خيري بشارة أخيراً عودة إلى السينما من خلال الفيلم القصير «يوم الحداد الوطني في المكسيك» (36 د ــــ كتابة: نورا الشيخ ــــ بطولة: آسر ياسين، بسمة، ندى الشاذلي، علي صبحي ، نورا شيشة) الذي أبصر النور يوم الخميس الماضي على منصة البث التدفقي الأميركية «نتفليكس» ضمن سلسلتها العربية الأصلية الجديدة «في الحب… والحياة» (إنتاج شركة اتحاد الفنانين للسينما والفيديو ــ أنطوان خليفة)، المتوافرة في 190 دولة حول العالم ومترجمة بـ 33 لغة و مدبلجة إلى 5 لغات.السلسلة مؤلّفة من ثمانية أشرطة قصيرة منفصلة تعكس منظور الحب في إطار درامي في ست دول عربية مختلفة، وهي: مصر، وتونس، والمغرب، وفلسطين، والسعودية، ولبنان. يحكي كلّ عمل قصّة تتعلّق بالحب، يغلب عليها طابع الكوميديا السوداء وتحدث جميعها في يوم واحد، وهو عيد الحب. وهي تأتي احتفاءً بالحب في العالم العربي، مستكشفةً مقتطفات من إعداد السيناريست المصرية عزّة شلبي، عن الحب بمنظوره العام والعلاقات عن كثب. تجمع «في الحب… والحياة» نخبة من المخرجين العرب، وهم: هاني أبو أسعد وأميرة دياب من فلسطين، وعبد المحسن الضبعان ومحمود الصباغ من السعودية، وهشام العسري من المغرب، وخيري بشارة وساندرا نشأت من مصر، وكوثر بن هنية من تونس، وميشال كمون من لبنان، فضلاً عن باقة من الممثلين العرب المعروفين.
يعتبر بشارة أحد روّاد السينما الواقعية في مصر، إلى جانب داوود عبد السيد ويسري نصرالله وغيرهما. في بداية التسعينيات، تحوّلت أعماله من نموذج لمدرسة الواقعية الجديدة في بلاده إلى أسلوب جديد خاص به، أُطلق عليه اسم «الفانتازيا الشعبية». أفاد هذا النوع من مدارس سينمائية عدّة إلى جانب الواقعية الجديدة في مصر، على رأسها الواقعية الجديدة في إيطاليا، والموجة الجديدة في فرنسا، فضلاً عن السمات الرئيسية للسينما المصرية. وأجمع النقاد أيضاً على أنّ خيري تأثّر بمجالات أخرى مختلفة، من بينها السياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع والرياضة. انطلاقاً من هنا، حاول في أفلامه، بدءاً من «كابوريا» مروراً بـ «رغبة متوحّشة» و«آيس كريم في جليم» و«أمريكا شيكا بيكا» و«حرب الفراولة» وصولاً إلى «قشر البندق» و«إشارة مرور»، أن يعيد الجمهور إلى السينمات بأفلام تسعى للمواءمة بين الفن والمتعة، بين الماضي والحاضر وبين الأصيل والعصري.
لا يبتعد «يوم الحداد الوطني في المكسيك» كثيراً عن هذا الخطّ. في زمان ومكان غير محدّدَيْن، تجري الأحداث في ليلة عيد الحبّ. تتجوّل الشخصيات في عالم خيالي ضمن مجتمع مليء بالخوف وبعيد عن الإنسانية، يُمنع فيه عيد الحب فيما يعاقَب كلّ من يحتفل به. اللون الأحمر، الكتب، الأغاني، الأفلام ونبضات القلب المرتفعة كلّها من المحرّمات والمحظورات. مجتمع يمكن أن يكون في أيّ مكان في منطقتنا، في الوقت الذي يمكن فيه إسقاط الأحداث على أيّ شكل من أشكال القمع الذي يخنقنا يومياً.
الفيلم عبارة عن استكتشاف لمحاولات الإنسان لاستعادة الحرية والسعادة، مع التأكيد أنّ التغلّب على القمع والخوف في متناول اليد. لغة بصرية ساحرة وجذّابة، ممزوجة بكثير من الشقاوة والتمرّد والاحترافية.
في تصريحات إعلامية سبقت عرض «يوم الحداد الوطني في المكسيك»، قال بشارة إنّه شعر خلال العمل على هذا المشروع أنّه يوجّه تحية لشريط «فهرنهايت 451» (1966) للمخرج الفرنسي الراحل فرانسوا تروفو (1932 ــ 1984): «لكن عبر إحيائه بأسلوب جديد... فأنا أستمتع دائماً بصنع الأفلام التي تعكس الزمان والمكان، والتي لا ترتبط بالواقع الحقيقي».