في فيلمه الروائي الأوّل «قدحة»، يتناول المخرج التونسي أنيس الأسود العديد من القضايا الاجتماعية منها الهجرة غير الشرعية وبيع الأعضاء البشرية والفوارق الطبقية، إلّا أنّ أكثر ما يميزه هو طرح كل هذا من وجهة نظر طفل صغير في عمر الثانية عشرة.الفيلم مدته 92 دقيقة ومن بطولة شامة بن شعبان وجمال العروي ودرصاف ورتتاني وأنيسة لطفي والطفلين ياسين الترمسي وزكريا شبوب، فيما يشارك ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية» في الدورة الثالثة والأربعين من «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي».
تبدأ أحداث الفيلم بحادث سير يقع للطفل نبيل وشهرته «قدحة» (معناها «شعلة») الذي سلك والده البحر في رحلة هجرة غير شرعية إلى إيطاليا بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وتركه هو وأمه وأخته الصغيرة غارقين في الديون فلم تملك الأم أي نقود لإنقاذ ابنها في المستشفى.
تجمع المصادفة بين «بركانة» أم «قدحة» وبين الزوجين «معز» و«مليكة» اللذين يعالجان ابنهما من الفشل الكلوي فيعرضان عليها المساعدة لكن المقابل كان مؤلما فقد تبرعت الأم بإحدى كليتي ابنها للطفل المريض.
يخرج «قدحة» من المستشفى دون أن يعلم ما حدث له لكنه يفاجأ بتغير حياته 180 درجة إذ ينتقل مع أمه وأخته من الفقر للعيش في منزل جديد داخل مزرعة معز وتبدأ عملية دمجه في طبقة اجتماعية مختلفة لم يألفها وظل يحن إلى عالمه القديم.
بعد تعافي الطفل «أسامة» من عملية زرع الكلى يعود إلى مزرعة والده، فتنشأ صداقة بين الطفلين ويجمعهما حب لعبة القوس والسهم لكن «قدحة» يكتشف بطريق الصدفة سر تحول حياته هو وعائلته وأن بيع كليته كان ثمنا لهذه النقلة فتضطرب مشاعره تجاه أمه ولا تعود علاقتهما كما كانت، وفق ما ذكرت وكالة «رويترز».
وفي نهاية الشريط، يختتم صناعه عملهم بعبارة مقتبسة من كتاب «النبي» للبناني جبران خليل جبران: «أولادكم ليسوا لكم.. أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها».
عقب عرض الفيلم، أوّل من أمس الاثنين في المسرح الصغير في دار الأوبرا المصرية، قال مخرج الفيلم أنيس الأسود إنّه أراد التعبير عن كثير من
الأمور من وجهة نظر الأطفال لا الكبار. وأضاف: «طريقة الصغار في رؤية الأشياء ليست كطريقة الكبار، الكاميرا كانت ترصد ما يراه هو لا ما نراه نحن لذلك حاولت أن تكون التجربة البصرية في الفيلم ليست تجربتي كمخرج بل تجربة طفل ينظر إلى العالم».
وعن صعوبة التعامل مع الأطفال أمام الكاميرا وخلفها وتوجيههم وإدارتهم تمثيلياً، قال المخرج الذي قدم في السابق عددا من الأفلام القصيرة والوثائقية إنها كانت عملية شاقة لكن ممتعة. وتابع: «أقمنا ورش تدريب كثيرة سبقت الاختيار النهائي للأبطال شارك فيها عدد كبير من الأطفال لكن اختياري للبطل الرئيسي كان قائما على روحه الحساسة إلى جانب العوامل الشكلية بالتأكيد».
وأضاف: «أكثر ما تعلمته من أبطالي الصغار أنه لا يمكنك أن تفرض طفولتك عليهم، هم يتصرفون بطريقتهم وأنت تقترح عليهم أشياء، فإذا تجاوبوا كان جيداً وإذا لم يستجيبوا فعليك مجاراتهم».