لا شكّ بأنّ الظروف المحيطة بسوريا، تدفع غالبية العاملين في الوسط الفنّي للبحث عن فرصة عمل خارج حدود بلادهم. لكن ما حصل مع المخرج الأميركي ذي الأصول السورية علي محمد كان مغايراً للسائد. بعدما حاز شهادات في الإخراج والتمثيل السينمائي والتلفزيوني من جامعات أميركية عريقة ثم أخرج بضعة أعمال هناك، قرّر المخرج العودة من هوليوود، ليُنجز تجربة سينمائية في قلب الزلزال الذي يضرب بلده الأم.
هكذا، انتهى محمد من تصوير فيلمه السينمائي الروائي المتوسط «حمرا طويلة» (45 دقيقة ــ أنتجه بالتعاون مع شركة «البارون» السورية ــ كتابة سامر اسماعيل، وبطولة: رشا بلال (الصورة)، كرم الشعراني، مي مرهج، وجدي عبيدو، وأمير برازي). الشريط هو «سيت كوم» سينمائي اختار له المخرج أحد بيوت حيّ «عين الكرش» الدمشقي مكاناً واحداً للتصوير. يروي على مدار زمنه أحداثاً درامية متصاعدة تنطلق من قصص حبّ عدّة متشابكة تدور في زمن الحرب، وفق تشريح مشوّق لشخصيات في مجابهة محاولة صدّ «جريمة شرف» في زمن الإرهاب. تبدأ القصة من خلال ما يطرأ على حياة جمانة (مي مرهج)، وهي فتاة تهرب مع حبيبها (أمير برازي) وتتزوجه، مع العلم بأنّه من طائفة مختلفة. يختبئ العاشقان في الشام، لحين مداهمة أخيها أدهم (كرم شعراني)، فتهرب إلى بيت جارها يامن (وجدي عبيدو)، الشاب الذي يحاول حلحلة مشاكله مع حبيبته سوزان (رشا بلال). لكن الشكّ يجعل سوزان تهرع إلى بيت حبيبها، وهو مسرح الأحداث، غير آبهة بمطر القصف الذي تتعرّض له الشام. هناك، تفاجأ بوجود امرأة أخرى في بيته، فيما تفشل جميع محاولات تهدئتها وشرح ملابسات سوء الفهم الحاصل، حتى يضطر يامن لطردها.
ما إن تهمّ بالخروج حتى تفاجأ بأدهم مشهراً مسدسه في وجهها، طالباً تسليم شقيقته التي تحتمي بمكان لا تعرف سكانّه. نكشف وفق تصاعد الحوار أن قصة حبّ سابقة كانت تجمع أدهم بسوزان التي تخلّت عنه نتيجة الاختلاف الطائفي نفسه. نتابع مكاشفات داخلية بين شخصيات الشريط، بالتزامن مع لحظة ساخنة تسيطر على البلاد. لتنتهي المحاكمة بانتقاء درامي يوصل الجميع للاحتماء ببعضهم، والتناوب على آخر سيجارة «حمرا طويلة» يملكونها في المكان الذي حوصروا فيه.
يقول المخرج علي محمد لـ «الأخبار» إنّ «الفيلم هو أوّل تجربة لي في سوريا بعدما قرّرت العودة لتصوير هذا العمل. رغم أنه كان من المتاح لي إنجازه في الولايات المتحدة أو أي بلد عربي، لكن الهدف كان إيصال رسالة إلى العالم بأن الحرب القاسية لم تتمكّن من إيقاف نبض الحياة الفنية. مع العلم بوجود الحظر التقني المفروض على استيراد أيّ أجهزة، أو معدات سينمائية متطورة، بسبب العقوبات الظالمة المفروضة على بلادي». ويضيف المخرج الشاب أنّه بالدرجة الأولى «اعتمدت لإنجاز هذا الفيلم على الخبرات والكوادر الفنية السورية المتميزة، على أمل أن يكون الفيلم مقدمة لأعمال مستقبلية أخرى».
من جهته، قال كاتب الفيلم سامر إسماعيل: «عملت على كتابة السيناريو، بعيداً عن الماكياجات الاجتماعية المعهودة ومن دون مجاملة، لفهم تقليدي عن أفكار متوارثة. بل سعيت نحو قصة واقعية لاهثة، وذات إيقاع مضبوط وحرّاق، وصولاً إلى ذروات من صراع يتفاقم قدماً مع كل لقطة ومشهد، مع الاشتغال على بنية الشخصيات وأسباب هروبها. ثم اكتشافها لمعنى الحوار والاختلاف دون الانجرار إلى العنف والجريمة، رغم التلويح بهما والتهديد المستمر الذي يحاصر هذه الشخصيات، ويجعلها منقبضة وذات تدفق كلامي في حواراتها وحركتها».
أما بطلة الفيلم رشا بلال، فتحدّثت عن تجربتها، مؤكدة أنّه «استهوتني حساسية النص، وبناء شخصياته، والنقطة الإيجابية من وجهة نظري أن الحكاية مصاغة بلغة مسرحية. كوني ابنة المسرح كانت التجربة بمثابة حافز لي، إضافة إلى المحتوى والمضمون اللذين يريد الكاتب إيصالهما».
الفيلم وبحسب صنّاعه يشارك حالياً في مهرجان «هوليوود السينمائي الدولي»، و«مهرجان لوس أنجليس السينمائي الدولي»، قبل أن يجول على مهرجانات دولية عدّة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والبلدان العربية، ليُطرح بعدها في الصالات السورية.