برحيل رفيق السبيعي، أغلق «حمام الهنا» أبوابه تقريباً. سيلتحق برفاق درب كثيرين سبقوه إلى العالم الآخر، أمثال نهاد قلعي، وفهد كعيكاتي، وياسين بقوش، وناجي جبر. سيصعب علينا إحصاء ميراثه في المسرح والغناء والسينما والإذاعة والتلفزيون. هو « أبو صياح» الشخصية الدمشقية الأصيلة بشرواله وطربوشه وشاربيه. كاركتر عابر للأجيال، مزيج من عبق حي البزورية العريق، وأسوار القلعة، عبوراً إلى نوادي التمثيل الأهلية في خمسينيات القرن المنصرم، صاحب الأغاني الانتقادية التي لم تطوها قيم الحداثة.
على الضفة الأخرى، هو الممثل بأقنعته المختلفة، المتمرّد على رغبة العائلة بأن يكون خيّاطاً. سيطرّز قماشة أخرى بروحه المتوثبة لصناعة البهجة. كان قدوم فرقة علي العريس اللبنانية إلى دمشق فرصة للممثلين الهواة أن يختبروا أدواتهم على الخشبة. هكذا تسلّل رفيق السبيعي إلى كواليس المسرح، قبل أن يلتحق بفرقة سعد الدين بقدونس، التي كانت تجول المدن البعيدة والأرياف لتقديم عروضها، من دون التفكير في مشقة المواصلات وعدم وجود فنادق للنوم، فكانوا ينامون في أروقة المسرح. يتذكّر بأن أول أجر حصل عليه كان ليرة واحدة عن كل عرض. بتأسيس «المسرح الحر»، صعد عتبة أخرى في سلّم الفن بصحبة عبد اللطيف فتحي. ورغم مشاركته في بعض عروض المسرح القومي»، إلا أنّ بصمته كانت أكثر ألقاً في عروض المسرح الشعبي. ستتوضح شخصية « أبو صياح» شكلاً وموقفاً في فيلم « سفر برلك» للمخرج هنري بركات (1967)، وستتبعه عشرات الأشرطة مع فورة سينما القطاع الخاص في سبعينيات القرن المنصرم، حتى أنه باع عمارة كان يمتلكها كي يموّل فيلماً من إنتاجه هو «نساء للحب» (1974). وبالطبع لن ننسى حضوره الأخاذ بدور الجد في فيلم «أحلام المدينة» (1983)، و« الليل» (1992) لمحمد ملص بدور شكري القوتلي، وكان ظهوره السينمائي الأخير في فيلم « سوريون» (2016) لباسل الخطيب.
بتأسيس التلفزيون السوري مطلع الستينيات، كان رفيق السبيعي شاهداً على تلك الحقبة بالأبيض والأسود بصحبة دريد لحام ونهاد قلعي. تمثيلية «مطعم السعادة» (1960) كانت فاتحة لأعمال تلفزيونية لا تحصى تنطوي على مقدرة استثنائية في منح الشخصية خصوصيتها البيئية، لجهة الشهامة والأصالة، ومعنى «القبضاي». فقد كان على الدوام صورة حيّة للشخصية الشامية، وستفتقد الشام عبيرها بغياب صاحبها. رحل «حكواتي الفن»، وبقيت ذكرياته على أثير إذاعة دمشق شهادة عن جيل لن يتكرّر.