ما زال السجال دائراً في الولايات المتحدة الأميركية حول نتائج ضخّ الأمول في الأسواق، سواء في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي خلق كتلة نقدية إضافية قيمتها 1.3 تريليون دولار، أو في عهد الرئيس الحالي جو بايدن الذي خلق كتلة نقدية إضافية بقيمة 1.9 تريليون دولار، فهل ستترجم مفاعيل هذا الضخّ في زيادة النموّ الاقتصادي، أم أنها ستتحوّل إلى تضخّم في الأسعار؟اللجوء إلى السياسة النقدية من أجل تعويم العرض والطلب عبر ضخّ السيولة في السوق، هو وسيلة لجأت إليها أكثر من دولة حول العالم في مواجهة جائحة كورونا، لكن أحد أوضح ملامحها برز في الولايات المتحدة الأميركية، نظراً إلى حجم الضخّ الذي بلغ 16% من الناتج المحلي الإجمالي (بلغ في عام 2020 نحو 20.9 تريليون دولار)، وقدرة الأسواق على استيعابه. فهل سيتمكن العرض الإنتاجي من مجاراة الطلب الاستهلاكي؟ هذا هو السؤال الذي حاول مصرف «جيفريز» الاستثماري الإجابة عنه في تقرير صدر أخيراً. الإجابة، يمكن اختصارها بالآتي: العرض الإنتاجي لن يتمكن من تغطية الطلب، وبالتالي سترتفع الأسعار بدلاً من النموّ. بالعكس، فإن مجاراة العرض الإنتاجي للطلب الاستهلاكي لن تكون ضرورية لارتفاع الأسعار، بل سيخلق هذا الوضع مزيداً من فرص العمل.

يستند تقرير «جيفريز» إلى دراسة أنماط الاستهلاك في أميركا باعتبارها عاملاً محدداً. فالأموال التي يتم ضخّها بين أيدي المستهلكين، ترفع دخلهم الفردي وتزيد من قوّتهم الشرائية، بينما الأموال التي تُضخّ في الشركات، فليس بالضرورة أن تتحوّل إلى زيادة في الإنتاج. فهناك عوامل مختلفة تؤثّر على الإنتاج، وأبرزها في الفترة الأخيرة العوامل المناخية التي لعبت دوراً أساسياً في الخلاصة التي توصّل إليها «جيفريز».
بشكل عام، يقول التقرير إن المستهلكين في الولايات المتحدة الأميركية قد لا يكونوان قادرين على إنفاق المبالغ الإضافية التي حصلوا عليها حتى لو أرادوا ذلك. فقد أظهرت بيانات الإنفاق عبر البطاقات الائتمانية ارتفاعاً متزايداً في الاستهلاك بعد تلقي الأسر أولى الدفعات المالية، ما يؤشّر على وجود نزعة أو ميل متزايد أكثر نحو الاستهلاك، ولا سيّما عند أصحاب الدخل المنخفض، إلا أنه في المقابل شهد النشاط الاقتصادي في أميركا انخفاضاً ملحوظاً بسبب العواصف الثلجية التي ضربت ولايات عدّة وانعكست سلباً على مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي. فالعوامل المناخيّة لعبت دوراً سلبياً في المواءمة بين العرض والطلب. وهذا الأمر انعكس على مخزونات البيع بالتجزئة التي انخفضت بشكل كبير وسط ضغط أكبر على سلاسل التوريد. فقد تراجعت نسبة المبيعات إلى المخزون (المخزون / المبيعات) في كانون الثاني الماضي إلى أدنى مستوى على الإطلاق، ولا يرجّح تقرير جيفريز أن تتحسّن هذه النسبة كثيراً في الفترة اللاحقة. فعلى سبيل المثال، أدّت العواصف الثلجية المتتالية، إلى توقف العديد من مصانع الرقائق في تكساس عن العمل لمدّة شهر، وأجبرت صانعي السيارات على تمديد إيقاف إنتاجهم حتى نهاية آذار.

يخلص التقرير إلى أنه لا يوجد مخزون كافٍ في قطاع مبيعات التجزئة لتلبية الزيادات المتوقعة على الطلب الذي ستخلقه الحزمة الثانية. لذا، يتوقع أن يتحوّل الإنفاق الاستهلاكي نحو قطاع الخدمات الذي يمتلك قدرة استيعابية كبيرة للطلب، ما قد يخفّف الضغوط التضخمية ويُترجم زيادةً في الناتج المحلي ونمواً في معدلات التوظيف. لكن «إذا استمر المستهلكون في إظهار تفضيلهم الإنفاق على السلع بدلاً من الإنفاق على الخدمات، فسيواجهون ارتفاعاً في الأسعار يحدّ من نموّ الناتج المحلّي». يميل التقرير، بالاستناد إلى أنماط الاستهلاك لدى الأسر ذات الدخل المنخفض الأكثر استفادة من حزم الدعم، إلى رسم مسار للإنفاق على المدى القصير، تكون فيه السلع أولوية الأسر. نمط كهذا يمكن أن يخلق ضغوطاً تضخمية على الأسعار.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام